شهدت أسعار الذهب العالمية ارتفاعًا حادًا خلال الأيام القليلة الماضية، محققة أعلى مستوياتها منذ أكثر من عشرة أسابيع. جاء هذا الارتفاع في أعقاب تراجع الدولار الأمريكي بعد تنصيب الرئيس دونالد ترامب. ومن المتوقع أن تكون هذه الزيادة في أسعار الذهب مدفوعة بالشكوك والتقلبات الاقتصادية العالمية التي نتجت عن تصريحات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية.
تأثير تصريحات ترامب على أسعار الذهب والدولار الأمريكي
في يوم الثلاثاء، شهدت أسعار الذهب قفزة ملحوظة، حيث لجأ المستثمرون إلى المعدن النفيس باعتباره ملاذًا آمنًا للتحوط ضد حالة عدم اليقين الاقتصادي. التراجع المفاجئ في قوة الدولار الأمريكي بعد تنصيب ترامب كان له تأثير مباشر على السوق. أدى هذا التراجع إلى دفع المستثمرين نحو الذهب، الذي يُعتبر من الأصول الآمنة في الأوقات الاقتصادية المضطربة.
وفي هذه الأثناء، شهدت مخزونات الذهب في مستودعات “كومكس” المعتمدة قفزة كبيرة خلال الأسابيع الستة الماضية. ارتفعت المخزونات بنسبة الثلث تقريبًا، حيث أقبل المشاركون في السوق على تسلّم المعدن الثمين بسبب مخاوفهم من احتمال فرض ترامب لرسوم جمركية جديدة. وأصبح الذهب أكثر جذبًا في ظل هذه التطورات السياسية، حيث قام الكثير من المستثمرين بالتحوط ضد احتمال تراجع القيمة السوقية للدولار الأمريكي.
الرئيس ترامب ومخاوف الرسوم الجمركية
بعد أسابيع من التكهنات العالمية حول الرسوم الجمركية التي قد يفرضها ترامب، ظهرت أخبار جديدة تُفيد بأن الرئيس الأمريكي قد يضطر لتأجيل فرض هذه الرسوم. هذا التأجيل ساعد في تخفيف بعض المخاوف في أسواق الأسهم العالمية، إلا أن تأثيره كان ضاغطًا على الدولار الأمريكي. من جهته، قال يياب جون رونغ، استراتيجي الأسواق في شركة IG: “هناك شعور بالارتياح في الأسواق بعد الإعلان بأن الرسوم الجمركية لن تكون في أولويات ترامب في البداية”. هذا التراجع في القلق دفع أسعار الذهب إلى الارتفاع، مع تزايد فرصه في أن يكون أداة تحوط جذابة في الأوقات الحالية.
آثار سياسة ترامب على أسعار الفائدة الأمريكية
توقع الخبراء أن يبقى الذهب في وضع إيجابي في الفترة المقبلة. ولكن يبقى أن يتم مراقبة مقاومة فورية عند مستوى 2720 دولارًا للأونصة. هذا المستوى قد يشهد صعوبة في اختراقه، ولكنه سيظل مؤشرًا هامًا في تحديد مسار الأسعار في الأجل القريب. إذا تم تخطي هذا المستوى، فقد يرتفع الذهب بشكل أكبر نحو مستويات قياسية جديدة. ويُعتبر الذهب حاليًا أداة تحوط ضد التقلبات الاقتصادية والمالية، خاصة مع تزايد المخاوف من التأثيرات السلبية للسياسات الاقتصادية الجديدة.
آثار سياسة ترامب على أسعار الفائدة الأمريكية
تُعتبر سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية تضخمية إلى حد بعيد، وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية تأثير هذه السياسات على أسعار الفائدة الأمريكية. من المتوقع أن يواصل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) رفع أسعار الفائدة في ظل هذه السياسات. في حال استمرت هذه الزيادة، فإن هذا قد يضغط على أسعار الذهب. حيث أن المعدن الأصفر لا يدر عائدًا مثل الأسهم أو السندات. على الرغم من ذلك، لا يزال الذهب يعد من الخيارات المفضلة للمستثمرين الذين يسعون للابتعاد عن المخاطر.
أسعار الذهب عند التسوية في الأيام الماضية
في ختام تعاملات يوم الاثنين، تراجعت أسعار الذهب رغم تراجع الدولار الأمريكي. حيث قام المستثمرون بتقييم السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي بعد تنصيبه. وانخفضت أسعار العقود الآجلة للمعدن الأصفر بنسبة 0.6%، لتصل إلى 2731.80 دولار للأوقية. وكانت الأسعار قد وصلت في وقت ما إلى 2715.60 دولار خلال الجلسة نفسها، مما يوضح التقلبات الكبيرة في السوق.
في الوقت نفسه، ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.7% ليصل إلى 2727.19 دولارًا للأونصة، مسجلًا أعلى مستوى له منذ 6 نوفمبر. وكان المعدن النفيس قريبًا من أعلى مستوى على الإطلاق الذي بلغه في أكتوبر الماضي والذي وصل إلى 2790.15 دولارًا للأونصة.
تأثير ارتفاع الدولار الأمريكي على الذهب
على الرغم من تراجع الدولار الأمريكي، إلا أن العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 0.2% لتسجل 2744.40 دولارًا للأونصة. جاء هذا التراجع بعد أن امتنع الرئيس ترامب عن فرض الرسوم الجمركية على الفور، وهو ما كان متوقعًا في بداية الأسبوع. وبالتوازي مع ذلك، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.4% ليصل إلى 108.30 نقطة، مما ساهم في الضغط على الذهب.
تأثير أسعار المعادن الأخرى
من جهة أخرى، شهدت أسعار المعادن الأخرى تغيرات ملحوظة. حيث أضافت الفضة الفورية 0.5% لتصل إلى 30.65 دولارًا للأونصة، بينما انخفض البلاديوم بنسبة 1.7% ليصل إلى 928.75 دولارًا للأونصة. كما تراجع البلاتين بنسبة 0.2% ليصل إلى 940.70 دولارًا للأونصة. على الرغم من تقلبات هذه المعادن، إلا أن الذهب ظل في مقدمة الخيارات الاستثمارية في الأسواق العالمية.
مستقبل أسعار الذهب في الأفق
يُعد الذهب من أبرز الأصول التي يتابعها المستثمرون حول العالم. لما له من أهمية خاصة كملاذ آمن في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي. مستقبل أسعار الـذهب يتأثر بالعديد من العوامل الاقتصادية والسياسية، ويظل من الصعب التنبؤ بدقة بمسار أسعاره في الأفق القريب. لكن التحليل الحالي يشير إلى أن هناك عدة مؤثرات رئيسية ستحدد توجهات السوق في الفترة القادمة.
التأثيرات الاقتصادية والسياسات النقدية
أحد العوامل الرئيسية التي ستؤثر على أسعار الذهب هو السياسة النقدية التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (الفيدرالي). إذا قرر الفيدرالي رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم أو لدعم الدولار الأمريكي، فقد يؤدي ذلك إلى ضغط على أسعار الـذهب. ذلك لأن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب. الذي لا يدر عوائد ثابتة مثل السندات أو الأسهم.
ومع ذلك، إذا استمرت المخاوف من التضخم في النمو، أو إذا كانت هناك توقعات بتباطؤ الاقتصاد الأمريكي. قد يتجه المستثمرون إلى الذهب كأداة تحوط ضد ارتفاع الأسعار. في مثل هذه الحالات، يمكن للذهب أن يستفيد من زيادة الطلب عليه من قبل المستثمرين الذين يسعون لحماية ثرواتهم.
العوامل المتعلقة بالعرض والطلب
من جانب آخر، تعتبر قوى العرض والطلب من العوامل المهمة التي تؤثر في تحديد أسعار الـذهب. العرض يشمل إنتاج الذهب من المناجم واستخراجه، بينما يشمل الطلب شراء الذهب من قبل الحكومات، والبنوك المركزية، والمستثمرين. على الرغم من أن الذهب يتمتع بإمدادات محدودة مقارنة بالعديد من السلع الأخرى، فإن الطلب على المعدن الأصفر يمكن أن يتقلب بناءً على الظروف الاقتصادية.
تسعى العديد من البنوك المركزية حول العالم إلى تنويع احتياطياتها من الـذهب كجزء من استراتيجياتها لتخفيف الاعتماد على العملات الورقية مثل الدولار الأمريكي. هذا يعني أن الطلب على الذهب من قبل هذه البنوك قد يرتفع في المستقبل، مما يدعم الأسعار.