تباطأ نمو مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة إلى 2.7% ورد فعل السوق

تباطأ نمو مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة إلى 2.7% ورد فعل السوق

تراجع التضخم الأمريكي في نوفمبر 2025: الذهب والأسواق تحت المجهر

أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلك CPI في الولايات المتحدة تباطؤًا أكبر من المتوقع خلال نوفمبر 2025، وفقًا لأحدث تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الصادر اليوم عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS)، ما قد يقدّم إشارة جديدة بشأن ضغوط الأسعار ويؤثر على توقعات الأسواق لأسعار الفائدة، وحركة الدولار الأمريكي، والأصول الآمنة مثل الذهب. ويُعد هذا التقرير أول بيانات تضخم تُنشر منذ أن تسبّب الإغلاق الحكومي الفيدرالي المطوّل في تعطيل جداول النشر الرسمية. الأمر الذي منح أرقام اليوم أهمية خاصة لدى المتداولين والمستثمرين وهم يقيّمون تحولات الزخم الاقتصادي واتجاه السياسة النقدية.

وبحسب البيانات الجديدة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك العام بنسبة 2.7% على أساس سنوي في نوفمبر، وهو مستوى أقل بشكل ملحوظ من توقعات المحللين التي دارت حول 3.1%، وأدنى من القراءة السابقة البالغة 3.0%. ما يشير إلى أن وتيرة نمو الأسعار تتباطأ بوتيرة أسرع من المتوقع. وفي الوقت نفسه، سجل التضخم الأساسي، الذي يستثني مكوّني الغذاء والطاقة الأكثر تقلبًا، ارتفاعًا بنسبة 2.6% على أساس سنوي. ليأتي هو الآخر دون التوقعات السابقة، في إشارة إلى استمرار تراجع الضغوط التضخمية الكامنة. وقد اضطرت الأسواق لانتظار هذا التقرير بعد أن أدى الإغلاق الحكومي إلى تأجيل نشر بيانات أكتوبر، ما خلق فجوة غير معتادة في متابعة الاتجاهات ورفع من تركيز المستثمرين على أرقام اليوم.

وشدد كل من الاقتصاديين والمتداولين على أهمية هذا التباطؤ غير المتوقع في التضخم. فاعتدال نمو الأسعار يضعف مبررات الاستمرار في تشديد السياسة النقدية، ويعزز التوقعات بأن يتجه الاحتياطي الفيدرالي إلى تبنّي موقف أكثر تيسيرًا خلال الفترة المقبلة. وينعكس هذا التطور بشكل مباشر على مختلف الأسواق المالية، لا سيما عقود أسعار الفائدة، ومؤشرات الأسهم، والمعادن الثمينة وعلى رأسها الذهب. فعادةً ما تقلل قراءة مؤشر أسعار المستهلك CPI الأضعف من احتمالات رفع الفائدة مجددًا، وتزيد في المقابل من فرص خفضها مستقبلًا. وهو سيناريو يدعم جاذبية الذهب كملاذ آمن.

تفاعل الأسواق والتأثير الفوري

عقب صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك CPI، تفاعلت الأسواق المالية بسرعة ملحوظة. إذ سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا طفيفًا، في انعكاس لتجدد اهتمام المتداولين بالأصول التي تستفيد من توقعات انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية وتوجه السياسة النقدية نحو مزيد من التيسير. فعندما يتباطأ التضخم، تميل العوائد الحقيقية، لا سيما على سندات الخزانة الأمريكية، إلى التراجع. ما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالسلع غير المُدرّة للعائد مثل الذهب. وتُعد هذه البيئة مواتية للمعدن الأصفر. وقد أشار محللون إلى أن صمود الذهب مباشرة بعد صدور بيانات CPI يؤكد دوره المستمر كأداة تحوّط ضد عدم اليقين الاقتصادي وتغيّر توقعات السياسة النقدية.

وفي سوق الدخل الثابت، تراجعت عوائد سندات الخزانة قصيرة الأجل بشكل طفيف. مع قيام المتداولين بإعادة تسعير توقعاتهم بشأن وتيرة وتوقيت خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة. وعادةً ما تسهم العوائد المنخفضة في تقليص تكاليف الاقتراض عبر الاقتصاد ودعم الأصول عالية المخاطر. مع تقليص جاذبية الأدوات الحساسة للعائد. كما تعكس في الوقت ذاته تنامي ثقة الأسواق بأن التضخم يتجه نحو النطاق الذي يفضله الاحتياطي الفيدرالي.

أما أسواق الأسهم، فقد سجلت مكاسب محدودة عقب صدور التقرير، لا سيما في القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة والإنفاق الاستهلاكي. وشهد قطاع الخدمات المالية نتائج متباينة، إذ استفاد جزئيًا من احتمالات انحدار منحنى العائد. في حين ظل المتداولون يوازنون بين الأثر الإيجابي لتباطؤ التضخم والمخاوف المتعلقة بآفاق الاقتصاد الأوسع. وفي المقابل، تراجع الدولار الأمريكي بشكل طفيف أمام العملات الرئيسية. حيث يقلل انخفاض التضخم من دوافع الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لفترة طويلة مقارنة بنظرائه عالميًا. وأسهم ضعف الدولار بدوره في دعم أسعار الذهب، نظرًا لأن المعدن مُسعّر بالدولار ويصبح أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى عند تراجع قيمة العملة الأمريكية.

ماذا يعني ذلك للمتداولين والاحتياطي الفيدرالي؟

بالنسبة للمتداولين، يضيف تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الصادر اليوم دليلًا مهمًا جديدًا يدعم رواية تراجع وتيرة التضخم. ورغم أن التضخم لا يزال أعلى من الهدف طويل الأجل للاحتياطي الفيدرالي البالغ 2.0%، فإن حجم التباطؤ الحالي يفتح الباب أمام احتمال أن يقوم البنك المركزي بتأجيل أو إبطاء وتيرة أي زيادات مستقبلية في أسعار الفائدة. وقد يترتب على هذا التحول تداعيات واسعة عبر مختلف فئات الأصول. من خلال تأثيره على نماذج التقييم، وتموضع المحافظ الاستثمارية، واستراتيجيات إدارة المخاطر.

ويحذر المحللون من ضرورة تفسير بيانات CPI ضمن إطار أوسع يشمل المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل اتجاهات سوق العمل ومقاييس الطلب الاستهلاكي. ومع ذلك، فإن قراءة تضخم أضعف من المتوقع عادةً ما تخفف الضغوط على صانعي السياسات لمواصلة التشديد النقدي. وقد تُسرّع في بعض الحالات النقاشات حول التوجه نحو التيسير النقدي إذا استمر التضخم في التراجع خلال الأشهر المقبلة.

وبالنظر إلى الفترة القادمة، سيواصل المتداولون مراقبة تقارير CPI اللاحقة وغيرها من مقاييس التضخم. بما في ذلك مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، إلى جانب التصريحات المرتقبة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، بحثًا عن إشارات حول أي تغييرات محتملة في السياسة النقدية. ومع إشارة بيانات اليوم إلى تباطؤ ضغوط الأسعار، يبدو أن الأسواق باتت تُسعّر احتمالات أعلى لتبنّي سياسة نقدية أكثر تيسيرًا. وهو ما يُرجّح أن ينعكس بشكل مباشر على أنشطة التداول خلال المدى القريب.

وفي السياق ذاته، قدّمت مكوّنات التقرير تفاصيل مهمة حول تحوّل ضغوط التكاليف داخل الاقتصاد الأمريكي. إذ أظهرت تكاليف السكن، التي كانت من أبرز محركات التضخم خلال السنوات الأخيرة، مؤشرات على التراجع. في حين كان تأثير أسعار الطاقة أقل حدة مقارنة بفترات سابقة رغم استمرار تقلبها. ويشير اتجاه تراجع التضخم في مؤشر CPI إلى أن ضغوط الأسعار باتت تتوزع بشكل أكثر توازنًا عبر مختلف القطاعات. بدلًا من تركزها في عدد محدود من المكوّنات المرتفعة. ما يعزز قناعة الأسواق بأن التضخم قد يقترب تدريجيًا من الهدف طويل الأجل للاحتياطي الفيدرالي.