طلبات إعانة البطالة الأمريكية تنخفض إلى 214 ألفًا، ما يشير إلى استقرار سوق العمل

طلبات إعانة البطالة الأمريكية تنخفض إلى 214 ألفًا، ما يشير إلى استقرار سوق العمل

قدّم أحدث تقرير لطلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة إشارة مطمئنة بحذر للأسواق، مع تسجيل تراجع طفيف في عدد الطلبات الجديدة، في وقت تشير فيه المؤشرات الأساسية إلى أن سوق العمل يشهد تباطؤًا تدريجيًا بدلًا من تدهور حاد. وبالنسبة للمتداولين والمستثمرين الذين يراقبون بيانات التوظيف عن كثب باعتبارها مؤشرًا على الزخم الاقتصادي واتجاهات السياسة النقدية. فإن هذه الأرقام تعزز رواية سوق عمل لا يزال متماسكًا، لكنه لم يعد يشهد تشددًا متصاعدًا.

وخلال الأسبوع المنتهي في 20 ديسمبر، انخفض عدد طلبات إعانة البطالة الأولية المعدلة موسميًا إلى 214 ألف طلب، بتراجع قدره 10 آلاف طلب مقارنة بالأسبوع السابق الذي سجل 224 ألفًا دون تعديل. وجاء هذا الانخفاض أفضل من توقعات العديد من المحللين. ما يشير إلى أن وتيرة تسريح العمال لا تزال محدودة مع اقتراب نهاية العام. كما تراجع المتوسط المتحرك لأربعة أسابيع، وهو مقياس يُستخدم لتقليص التقلبات قصيرة الأجل، إلى 216,750 طلبًا. مؤكّدًا أن الاتجاه العام للطلبات الجديدة لا يزال مستقرًا وليس في مسار تصاعدي.

في المقابل، قدّمت طلبات الإعانة المستمرة، التي تقيس عدد الأشخاص الذين يواصلون تلقي إعانات البطالة، صورة أكثر دقة وتعقيدًا. فقد ارتفع معدل البطالة المؤمن عليها بشكل طفيف إلى 1.3%. بينما زاد عدد المستفيدين من الإعانات إلى 1.923 مليون شخص، بارتفاع قدره 38 ألفًا عن الأسبوع السابق. وتشير هذه البيانات مجتمعة إلى أنه في حين يفقد عدد أقل من العمال وظائفهم، فإن من يفقدونها قد يستغرقون وقتًا أطول للعثور على عمل جديد. وهو ما يعكس تراجعًا تدريجيًا في تشدد سوق العمل.

تحليل بيانات طلبات الإعانة الأسبوعية

يشير الانخفاض في طلبات إعانة البطالة الأولية إلى أن أصحاب العمل ما زالوا متمسكين بالقوى العاملة لديهم، رغم تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة. تاريخيًا، تُعد القراءات في نطاق أوائل 200 ألف طلب دلالة على سوق عمل صحي، ولا تزال البيانات الأخيرة منسجمة مع هذا التقييم.

أما البيانات غير المعدلة موسميًا، فتعكس صورة مشابهة. إذ بلغ إجمالي الطلبات الفعلية المقدمة ضمن برامج الولايات 264,009 طلبات، بزيادة قدرها 8,832 طلبًا عن الأسبوع السابق، لكنها جاءت أقل بكثير مما كانت تشير إليه العوامل الموسمية. وقبل عام، كانت الطلبات عند مستوى 275,557. ما يبرز أن وتيرة التسريحات لا تزال أقل من مستويات العام الماضي رغم تشديد الأوضاع المالية.

كما انخفضت طلبات الإعانة المستمرة عبر جميع البرامج بشكل ملحوظ إلى 1.905 مليون للأسبوع المنتهي في 6 ديسمبر، بتراجع تجاوز 88 ألف طلب. ويشير هذا الانخفاض إلى أن بعض العاطلين يجدون وظائف جديدة أو يستنفدون إعاناتهم. رغم أن الارتفاع الطفيف في معدل البطالة المؤمن عليها يعكس استمرار بعض الصعوبات في مواءمة الباحثين عن عمل مع الفرص المتاحة.

وأظهرت البيانات أيضًا ضغوطًا محدودة على فئات محددة من العمال. إذ تراجعت طلبات الإعانة المقدمة من الموظفين المدنيين الفيدراليين السابقين ومن قدامى المحاربين المسرّحين حديثًا. ما يشير إلى عدم وجود تدهور مفاجئ في التوظيف الحكومي أو القطاعات الدفاعية.

إقليميًا، كانت معدلات البطالة المؤمن عليها الأعلى في ولايات مثل نيوجيرسي وواشنطن وماساتشوستس وكاليفورنيا. ما يعكس تحديات هيكلية في بعض أسواق العمل المحلية. في المقابل، سجّلت ولايات كبيرة مثل إلينوي ونيويورك وبنسلفانيا تراجعًا ملحوظًا في الطلبات الأسبوعية. ما ساهم في موازنة الزيادات في ولايات أخرى.

ماذا تعكس البيانات عن سوق العمل الأمريكي؟

تعزز هذه البيانات مجتمعة اتجاهًا برز خلال النصف الثاني من العام، وهو أن سوق العمل الأمريكي يبرد تدريجيًا دون أن ينهار. فقد تباطأت وتيرة التوظيف، وتراجعت فرص العمل من مستويات ما بعد الجائحة، واعتدل نمو الأجور، إلا أن موجات التسريح الواسعة لم تظهر بعد.

وتعكس هذه البيئة، التي يمكن وصفها بـ“انخفاض التوظيف وانخفاض التسريح”، حذرًا لدى أصحاب العمل أكثر من كونها حالة ضغوط حادة. فالعديد من الشركات لا تزال مترددة في خفض أعداد الموظفين بشكل كبير بعد المعاناة في استقطاب العمالة خلال مرحلة التعافي. مفضلةً إبطاء التوظيف أو تقليص ساعات العمل أو تأجيل التوسع حتى تتضح آفاق النمو والطلب.

وبالنسبة لصانعي السياسات والمتعاملين في الأسواق، فإن هذا الأمر مهم لأن ظروف سوق العمل تلعب دورًا محوريًا في تشكيل ديناميكيات التضخم. فسوق عمل يبرد دون ارتفاع حاد في البطالة يقلل من مخاطر الركود الحاد، وفي الوقت نفسه يخفف ضغوط الأجور التي قد تغذي التضخم.

رد فعل الأسواق: ما الذي يراقبه المتداولون؟

تميل الأسواق المالية إلى التفاعل بقوة مع بيانات التوظيف عندما تغيّر بشكل واضح توقعات النمو الاقتصادي أو السياسة النقدية. وفي هذه الحالة، لم تُحدث بيانات طلبات الإعانة صدمة للأسواق، لكنها عززت المزاج السائد.

في أسواق السندات، دعمت البيانات المستقرة الرؤية القائلة بأن الاقتصاد يتباطأ تدريجيًا. ما يسمح ببقاء السياسة النقدية مقيدة دون التسبب في تدهور حاد بسوق العمل. وأظهرت عوائد سندات الخزانة تحركات محدودة، في إشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لا يواجه ضغوطًا فورية للتدخل بسبب توتر في سوق العمل.

أما في أسواق الأسهم، فكان التأثير محايدًا إلى إيجابي بشكل طفيف. إذ يدعم استقرار التوظيف الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُعد محركًا رئيسيًا لأرباح الشركات. بينما يقلل غياب السخونة المفرطة في سوق العمل من المخاوف بشأن ضغوط تضخمية ناتجة عن الأجور.

وفي أسواق العملات، بقي الدولار الأمريكي أكثر تأثرًا بتوقعات أسعار الفائدة والتوجيهات النقدية العامة. بدلًا من التقلبات الأسبوعية في طلبات الإعانة.

دلالات البيانات على سياسة الاحتياطي الفيدرالي

من منظور السياسة النقدية، تتماشى بيانات طلبات إعانة البطالة مع رؤية الاحتياطي الفيدرالي بأن سوق العمل لم يعد مصدرًا رئيسيًا لمخاطر التضخم. فقد تباطأ نمو الأجور، وبقيت عمليات التسريح محدودة، وبدت ظروف التوظيف متوازنة أكثر منها محمومة.

ويمنح هذا الوضع صانعي السياسة مرونة أكبر. فإذا استمر التضخم في التراجع، يمكن للفيدرالي التفكير في خفض أسعار الفائدة دون الخوف من إعادة إشعال الطلب المفرط على العمالة. وفي المقابل، إذا ظل التضخم مرتفعًا نسبيًا، قد يشعر المسؤولون بالراحة في الإبقاء على الفائدة مرتفعة لفترة أطول. مع الثقة في قدرة سوق العمل على تحمّل بعض القيود.

ما الذي يجب على المتداولين مراقبته لاحقًا؟

رغم أهمية البيانات الأسبوعية، ينبغي للمتداولين وضعها ضمن السياق الاقتصادي الأوسع. إذ ستوفر تقارير التوظيف القادمة، وبيانات الأجور، ومعدلات المشاركة في سوق العمل إشارات أشمل حول الاتجاه العام لسوق العمل.

وعلى وجه الخصوص، سيراقب المتداولون:

  • أي اتجاه صعودي مستدام في طلبات الإعانة الأولية قد يشير إلى زيادة في التسريحات
  • استمرار ارتفاع طلبات الإعانة المستمرة بما يعكس فترات بطالة أطول
  • الفوارق الإقليمية التي قد تنذر بضغوط اقتصادية محلية
  • التفاعل بين بيانات العمل وقراءات التضخم ورسائل البنوك المركزية

في الوقت الراهن، يدعم أحدث تقرير لطلبات إعانة البطالة سردية الاستقرار الحذر. فسوق العمل لم يعد يغذي مخاوف تشديد نقدي قوي، ولا يطلق في الوقت نفسه إنذارات ركود حادة. وبالنسبة للمتداولين في نهاية العام، يساهم هذا التوازن في تثبيت التوقعات ويُبقي التركيز منصبًا على التضخم والنمو وإشارات السياسة النقدية بدلًا من صدمات مفاجئة في سوق العمل.