يشير أحد المؤشرات الهامة لمراقبة الطلب على العملات المشفرة إلى أن بعض المستثمرين الصينيين بدأوا الابتعاد عن الأصول الرقمية. وبدلاً من ذلك، عادوا للاستثمار في سوق الأسهم المتصاعدة في الصين. تعود هذه التحولات إلى عوامل اقتصادية وسياسية عدة، من بينها الحوافز التي قدمتها الحكومة الصينية لدعم الأسواق المالية المحلية.
منذ أن قامت الصين بحظر تداول العملات المشفرة في عام 2021، استمرت العديد من الأنشطة المرتبطة بالعملات الرقمية في البلاد. بالرغم من هذا الحظر، استمر العديد من المقيمين في الصين في استخدام الحسابات والبورصات الخارجية للشراء والبيع. يرجع ذلك جزئياً إلى رغبتهم في تجنب ضوابط رأس المال التي تفرضها الحكومة. كما أن المستثمرين كانوا يسعون إلى نقل أصولهم إلى الخارج كإجراء احترازي ضد تقلبات الأسواق المحلية أو فرض القيود.
أوضحت محللة أسواق العملات الرقمية أن عملة USDT المستقرة من Tether تعد من بين أكثر العملات المشفرة تداولًا في العالم. ولكن، ومنذ نهاية سبتمبر 2024، بدأت هذه العملة تتداول بخصم طفيف مقارنة بالدولار الأمريكي في بعض الأحيان. وقد تزامن هذا الخصم مع سلسلة من الإجراءات التيسيرية التي اتخذها البنك المركزي الصيني. تهدف هذه التدابير إلى وقف تدهور التوقعات الاقتصادية وتحفيز النمو المحلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسهم الصينية.
تعد العملات المستقرة عملات مشفرة ترتبط قيمتها عادة بنسبة 1:1 مع أصول مثل الدولار الأمريكي. وتعتبر هذه العملات خيارًا مفضلًا للكثير من المستثمرين الذين يرغبون في تجنب التقلبات الحادة التي تميز العملات الرقمية الأخرى مثل البيتكوين. وتستخدم العملات المستقرة عادة في المعاملات اليومية، حيث تقدم أداة استثمارية أكثر استقرارًا. إلا أن هذا لا يعني أن قيمتها ثابتة تمامًا؛ حيث يمكن أن تشهد تذبذبات طفيفة بناءً على عوامل السوق.
الفروق في الأسعار إلى زيادة الطلب على العملات الرقمية
من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لبورصة Hashkey للعملات المشفرة في تصريحاته أن “زيادة الإقبال على العملات الورقية يمكن أن يكون مؤشرًا على أن المتداولين يتجهون بسرعة نحو الأسهم الصينية بسبب مخاوف اقتصادية”. هذا التوجه قد يعكس حالة من الذعر بين المتداولين، الذين ربما يشعرون بالضغط بسبب تراجع قيمة العملات الرقمية.
من الصعب قياس تأثير بيع USDT على البورصات، خاصة من المستثمرين الصينيين الذين يتعاملون في أسواق خارجية. ولكن منصات أخرى مثل Binance تقدم صورة أوضح عن هذه الظاهرة. فوفقًا للبيانات التي تعرضها Binance ، يظهر أن تجار اليوان الصينيين يقدمون أسعارًا خارج البورصات تتراوح بين 6.78 و6.98 يوان مقابل USDT، بينما يتم تداول اليوان في الأسواق التقليدية عند 7.07 يوان لكل دولار. تشير هذه الفروق في الأسعار إلى زيادة الطلب على العملات الرقمية في ظل القيود المفروضة على الأسواق الصينية.
علاوة على ذلك، تشير تقديرات شركة التحليلات blockchain Chain lysis إلى أن وسطاء خارج البورصة في الصين شهدوا تدفقات غير مسبوقة هذا العام. هذه التدفقات تشير إلى طلب قوي من المستثمرين الصينيين على العملات المشفرة، على الرغم من الحظر المستمر الذي تفرضه الحكومة. وقد يكون هذا إشارة إلى أن المستثمرين لا يزالون يثقون في العملات الرقمية كأداة لتحويل وتخزين الثروات بعيدًا عن الأنظمة المالية التقليدية.
من جهة أخرى، يعكس هذا الاتجاه توسعًا في استخدام العملات الرقمية في أسواق غير تقليدية، مثل السوق الصينية، التي تواجه قيودًا كبيرة على تداول الأصول الرقمية. يتزايد اهتمام المستثمرين الصينيين بهذه الأصول كوسيلة للتحوط ضد المخاطر الاقتصادية المحلية والتقلبات في الأسواق المالية الصينية. بينما تتباين آراء الخبراء بشأن مستقبل العملات المشفرة في الصين، فإن زيادة الطلب على العملات المستقرة مثل USDT تشير إلى أن هناك حاجة مستمرة للاحتفاظ بالأصول الرقمية.
استخدام العملات المشفرة في الصين تحديات أخرى للحكومة الصينية
البيانات الواردة من السوق تشير أيضًا إلى أن بعض المستثمرين في الصين بدأوا في استغلال الفروق في الأسعار بين البورصات الداخلية والخارجية. هذا يشير إلى أن هناك من يسعى للاستفادة من التغيرات الصغيرة في سعر العملة المشفرة لتوليد أرباح سريعة، خاصة في ظل حالة من الاضطراب الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في الصين.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس النمو في استخدام العملات المشفرة في الصين تحديات أخرى للحكومة الصينية في السيطرة على الأسواق المالية. ففي الوقت الذي تحظر فيه الصين تداول العملات المشفرة، إلا أن استخدام البورصات الخارجية ووسائل الدفع الرقمية لا يزال يشهد ارتفاعًا ملحوظًا. وتعتبر الحكومة الصينية هذه الأنشطة غير قانونية، وتسعى باستمرار إلى زيادة الرقابة على هذه الأنشطة. ولكن من الواضح أن هناك صعوبة في وقف تداول العملات الرقمية بشكل كامل.
هذا المشهد الاقتصادي يطرح تساؤلات حول إمكانية استقرار الأسواق المالية الصينية في المستقبل. إذ إن تحول بعض المستثمرين إلى الأصول الرقمية قد يشير إلى حالة من عدم الثقة في النظام المالي التقليدي. ورغم الإجراءات المتخذة من قبل السلطات الصينية لتوجيه رأس المال نحو الأسهم المحلية. إلا أن واقع السوق يشير إلى أن هناك ضغطًا مستمرًا على المستثمرين للبحث عن خيارات بديلة.
خلال الأشهر الماضية، واصلت الحكومة الصينية اتخاذ خطوات لتعزيز النمو الاقتصادي، مثل تخفيض أسعار الفائدة وطرح برامج تحفيزية. ومع ذلك، يبدو أن هذه الإجراءات لم تنجح في وقف توجهات المستثمرين نحو الأصول الرقمية. وقد يكون هذا بمثابة مؤشر على أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين أكبر من أن تُحل بإجراءات اقتصادية تقليدية.
في النهاية، تظهر هذه التطورات في السوق الصينية أن المستثمرين يواصلون البحث عن فرص استثمارية رغم القيود المفروضة. وبينما قد تشهد الأسواق الرقمية مزيدًا من التنظيم والرقابة، فإن الاهتمام بالعملات المشفرة لا يزال في ازدياد.