تأجيل اجتماع أوبك+ هل تشير الأحداث إلى تحولات في سوق النفط؟

تأجيل اجتماع أوبك+

لم تكن مفاجأة تأجيل اجتماع أوبك+ قليلا قبل بدايته الرسمية بثلاثة أيام فقط، وهو أمر غير اعتيادي في هذا السياق الاقتصادي المتقلب. على الرغم من أن الفترة القصيرة بين إعلان التأجيل والموعد الجديد، الذي تم تأجيله من 26 نوفمبر إلى 30 نوفمبر، قد أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، إلا أن الأسواق عادت إلى الاستقرار بعد التذبذب الأولي.

إن تأثير هذا القرار لم يكن طويل الأمد على أسعار النفط، حيث شهدت هبوطًا حادًا فور إعلان التأجيل، ولكن تعافت إلى حد كبير بعد ذلك. يثير هذا التحول السريع تساؤلات حول طبيعة الأحداث التي قد تكون قائمة خلف الكواليس والتي قد تكون لها تأثير على سوق النفط.

من الجدير بالذكر أن أسعار النفط تعتمد بشكل كبير على توقعات العرض والطلب العالميين، وأي تغيير غير متوقع في هذه الديناميات يمكن أن يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق. قد يكون التأجيل الحالي إشارة إلى تغيرات محتملة في السياسات أو التفاوض بين الدول المنتجة، والتي قد تؤثر على إعادة التوازن في سوق النفط.

كما تتجه التوقعات نحو فترة مهمة في سوق النفط مع اقتراب اجتماع أوبك+ المؤجل إلى 30 نوفمبر. يتوقع معظم المحللين أن يشهد الاجتماع تغييرات هامة في إستراتيجية إنتاج النفط، إما عبر خفض متواضع للإنتاج أو تمديد فترة التخفيضات الحالية.

في ظل تقلبات الأسواق وعدم اليقين الحالي، يعزز خفض إنتاج أوبك+ فرص استقرار أسعار النفط والحفاظ على توازن السوق. قد يكون هذا الخيار ضروريًا في ظل تأثيرات الأحداث العالمية على الاقتصاد والطلب على النفط.

من جهة أخرى، يمكن أن يكون تمديد فترة التخفيضات بمثابة إشارة إيجابية تعزز استقرار الأسواق على المدى الطويل. هذا الخيار قد يكون استجابة لعوامل اقتصادية وجيوسياسية تتطلب الاستمرار في التحكم في إنتاج النفط.

تقلبات أسعار النفط وتأثير تخفيضات إنتاج أوبك+

في إطار التحولات الراهنة في سوق النفط، قامت منظمة أوبك + بتخفيض إنتاجها للنفط مرتين خلال السنة السابقة على مدى الاثني عشر شهرًا الأخيرة، حيث قلصت الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا في شهر إبريل، تلاه خفض آخر بلغ مليوني برميل يوميا في نوفمبر 2022. يأتي هذا التحرك في إطار جهود لتحقيق استقرار في أسواق الطاقة وتعزيز قدرة السوق على تحمل التحديات الاقتصادية والبيئية الحالية.

وفيما تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط ضمن أعضاء أوبك +، فإن النصيب الأكبر من هذه التخفيضات يأتي من إنتاجها. ولا يقتصر دور المملكة على الالتزام بتلك التخفيضات الإلزامية فقط، بل أعلنت أيضا عن خفض إضافي طوعي بمقدار نصف مليون برميل يوميا في شهر يونيو. تلك الخطوة تعكس التزام المملكة بدعم استقرار الأسواق وضبط الإنتاج بشكل مستدام.

وقد تبنت روسيا موقفًا مماثلًا، حيث أعلنت عن مشاركتها في جهود التقليل من الإنتاج. تعكس هذه الخطوة التعاون الدولي والتفاهم بين منتجي النفط الرئيسيين في محاولة لضبط العرض والطلب، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأسواق العالمية للنفط في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية الراهنة.

تشكل مجموعة أوبك+ نحو 40% من إجمالي إمدادات النفط العالمية، فيما يتكون النصف الباقي من دول أخرى مثل كندا (6%)، الصين (5%)، والبرازيل (3%). وفقًا لتقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تبرز الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط على مستوى العالم، حيث تسهم بنسبة 21% من إجمالي الإنتاج العالمي. وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية في هذا السياق بنسبة 13%.

أشار المحللون في بنك مورغان ستانلي إلى أن إنتاج النفط من قبل المنتجين خارج أوبك والدول غير الروسية قد شهد ارتفاعًا مطردًا منذ بداية جائحة كوفيد-19. يأتي هذا الارتفاع كجزء من جهودهم للتصدي لتخفيضات إنتاج أوبك+. ويفسر هذا الاتجاه تقلبات أسعار النفط وعدم استقرارها على الرغم من جهود أوبك+ في التحكم في الإمدادات، مما يبرز التحديات التي تواجه استقرار أسواق النفط في الوقت الحالي.

أوبك+ يواجه تحديات الإنتاج وتعافي السوق النفطية

بنك مورغان ستانلي يسلط الضوء على أهمية أي قرار يتخذه منتجو النفط، خاصة فيما يتعلق بالتقليل من الإنتاج. يأتي هذا الرأي في سياق تحسن تدريجي لسلاسل التوريد في صناعة النفط بعد تأثرها بتداعيات جائحة الوباء. يظهر هذا التحسن في تعافي الطلب على النفط واستقرار الأسواق، مما يشير إلى أهمية مواكبة الإنتاج لهذه التغيرات.

مع استمرار نمو الإنتاج من خارج منظمة أوبك، حيث يُتوقع زيادة تصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً على مدار الاثني عشر شهراً القادمة، يعتبر هذا الارتفاع كافيًا بحسب التقديرات لتلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط. تأتي هذه التوقعات في سياق تحولات مستدامة في سوق الطاقة، حيث يسهم الإنتاج المتزايد في تلبية احتياجات الأسواق.

وعند النظر إلى المستقبل، يُرجح أن يكون نمو الإنتاج من خارج أوبك كافياً لتلبية الطلب العالمي على النفط في السنوات المقبلة، بما في ذلك عامي 2025 و2026. يتوقع أن يلعب هذا النمو الإضافي دورًا هامًا في المحافظة على توازن العرض والطلب، مما يقلل من الضغط على منظمة أوبك + ويسهم في تحقيق استقرار في الأسواق العالمية للنفط.

تحليل بنك مورغان ستانلي يشير إلى وجود مساحة صغيرة في سوق النفط لاستيعاب مزيد من إنتاج منظمة أوبك+. هذا يعكس حاجة السوق إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب لتفادي انخفاض أسعار النفط على المدى القصير والمتوسط.

بناءً على هذا التحليل، يصبح من المنطقي توقع اتخاذ إجراءات إضافية لتحقيق التوازن في السوق. وفي هذا السياق، يُمكن أن تكون التخفيضات في إنتاج النفط إحدى الخيارات المحتملة لمنظمة أوبك+. وقد يتم تمديد التخفيضات الطوعية التي كان من المخطط أن تنتهي في نهاية مارس 2024 إلى نهاية عام 2024، بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق وتجنب فائض في الإمدادات.

خطر تراكم المخزونات ودفاع أوبك+ عن حصتها

لضمان تحقيق “توازن” في سوق النفط الخام والحفاظ على سعر برميل النفط الخام من نوع برنت عند المستوى الأساسي البالغ منتصف 80 دولارًا أمريكيًا، يتعين اتخاذ مجموعة من الإجراءات. وفقًا لتحليل مورغان ستانلي، هناك خطران رئيسيان يترتبان على هذا السيناريو الافتراضي.

التحدي الأول يتمثل في أن مع بدء تنفيذ تخفيضات أوبك+ وتحسن سلاسل التوريد في عدة دول أعضاء، تراكمت طاقة فائضة تقدر بحوالي 5 ملايين برميل يوميًا. وفقًا لتحليل مورغان ستانلي، يشير هذا الرقم إلى أن هذا الفائض أصبح الآن “قريبًا من أعلى مستوى خلال 25 عامًا (باستثناء فترة جائحة كوفيد-19)”.

من الوارد منطقيًا أن العديد من دول أوبك+ تتطلع إلى زيادة إنتاج النفط لاستكمال خزائنها، على غرار الدول الأعضاء الأخرى، بما في ذلك إيران وفنزويلا، التي لا تلتزمان بنظام الحصص. يشير مورغان ستانلي إلى أن هذا قد يؤدي إلى “توتر” بين بعض أعضاء المنظمة.

أما الخطر الثاني، فيتمثل في قرار أوبك+ بالدفاع عن حصتها في السوق التي انخفضت بشكل مستمر خلال الأشهر الـ 12 الماضية. يقول مورغان ستانلي إن “التاريخ يحذر من الخطر الذي يشكله هذا في النهاية”. وإذا قررت أوبك+ الكفاح من أجل الحفاظ على حصتها في السوق أو استعادتها، فإن هناك احتمالًا كبيرًا لانخفاض أسعار النفط الخام.

من المتوقع أن تستمر مورغان ستانلي في دعم سعر خام برنت عند مستويات قريبة من 85 دولارًا، ولكن هذا يعتمد على توقعاتها بأن “أوبك+” ستظل ملتزمة بتقليص الإنتاج، مما يسهم في استقرار مخزونات النفط عند مستوياتها الحالية. يشير البنك إلى أنه في حال عدم اتخاذ “أوبك+” إجراءات لتحقيق التوازن في السوق في الاجتماع القادم، فإن التهديد الرئيسي لأسعار النفط الخام هو تراكم المخزون المتزايد، وهو ما قد يؤدي إلى هبوط سعر خام برنت إلى 70 دولارًا أمريكيًا للبرميل.

كما يتوقع “مورغان ستانلي” أن تواصل السعودية خفض الإنتاج بشكل تدريجي حتى نهاية الربع الثاني من العام المقبل، مع زيادة تدريجية في الإنتاج في النصف الثاني من السنة.