شهدت الأسواق المالية مؤخراً تذبذباً في أسعار الذهب، وذلك تزامناً مع تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.1%. هذا التراجع في قيمة الدولار جعل السبائك المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى. مما ساهم في زيادة الطلب على الذهب، الذي يعتبر من الملاذات الآمنة. فعندما يضعف الدولار، يصبح الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يسعون إلى حماية قيم أموالهم من تقلبات العملة، وهو ما يعزز من ارتفاع أسعاره.
في هذا السياق، قال ييب جون رونج، استراتيجي السوق في شركة “آي جي”، إن الانخفاض الطفيف في الدولار الأمريكي والعائدات على سندات الخزانة الأمريكية في الجلسة الأخيرة قد ساعد في استئناف تعافي أسعار الذهب بعد التراجع الذي شهدته إثر صدور بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. هذا التراجع في الدولار جاء بعد سلسلة من القرارات السياسية والنقدية التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي في الفترة الأخيرة، والتي أدت إلى تقلبات في الأسواق.
الذهب، الذي يعتبر من أكثر الأصول التقليدية استقراراً في فترات عدم اليقين الاقتصادي، استفاد من تراجع الـدولار. حيث اعتبره الكثيرون بمثابة أداة تحوط ضد التضخم وتقلبات الأسواق المالية. عائدات السندات الأمريكية، التي تأثرت بشكل كبير بقرارات الاحتياطي الفيدرالي، كانت تمثل عاملاً مهماً في تحركات الذهب خلال الفترة الماضية. فكلما ارتفعت العائدات على السندات، يميل المستثمرون إلى التوجه نحو السندات كاستثمار أكثر أماناً مقارنة بالذهب. مما يؤدي إلى انخفاض في الطلب على المعدن الأصفر. ولكن مع تراجع العائدات مؤخراً، عاد الذهب إلى استئناف تعافيه. من جهة أخرى، فإن التحركات في أسواق العملات والسندات تعكس الكثير من التوقعات المتعلقة بمستقبل السياسة النقدية في الولايات المتحدة. فقد عمد الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل مستمر في الأشهر الماضية، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي كان في مستويات مرتفعة.
العوامل المؤثره على الـدولار الأمريكي
يعتبر سعر الدولار الأمريكي من العوامل الحاسمة في الاقتصاد العالمي، حيث يؤثر بشكل مباشر على الأسواق المالية والتجارة الدولية. تتعدد العوامل التي تؤثر على قيمة الدولار، وتتمثل في مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي قد تؤدي إلى ارتفاعه أو انخفاضه. من بين هذه العوامل، يعتبر أداء الاقتصاد الأمريكي هو العامل الأبرز. فحينما يظهر الاقتصاد الأمريكي قوة في النمو أو تقلل معدلات البطالة، يزداد الطلب على الدولار، مما يدفع قيمته للارتفاع. كما أن العوائد على السندات الأمريكية تعد عاملًا مؤثرًا، إذ يشجع ارتفاع العوائد على السندات الأمريكية المستثمرين الأجانب على شراء الدولار للاستثمار في هذه السندات، مما يؤدي إلى تعزيز قيمة الدولار.
من جهة أخرى، تؤثر السياسة النقدية التي يتبعها البنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل كبير على سعر الدولار. فإذا قام البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة في محاولة للحد من التضخم، فإن هذا يشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق الأمريكية بحثًا عن عوائد أعلى، مما يدعم قوة الـدولار. على العكس، إذا قرر الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، فإن ذلك قد يضعف الـدولار نتيجة لتراجع العوائد على الاستثمارات الأمريكية.
العوامل الجيوسياسية تؤثر أيضًا على سعر الدولار الأمريكي. في حال حدوث توترات سياسية أو اقتصادية على المستوى العالمي، يميل المستثمرون إلى اللجوء إلى الدولار كملاذ آمن، مما يعزز قيمته. وفي فترات الاستقرار العالمي، قد يقل الطلب على الـدولار إذا كانت هناك عملات أخرى تتمتع بالاستقرار أو العوائد الجذابة. من جانب آخر، تؤثر التجارة الدولية أيضًا على الدولار، حيث يساهم عجز الميزان التجاري الأمريكي في خفض الطلب على الـدولار. مما قد يؤدي إلى تراجع قيمته. علاوة على ذلك، يشكل التضخم في الولايات المتحدة أحد العوامل المؤثرة في قيمة الدولار.
تأثير الدولار على الأسواق المالية
يُعد الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، مما يمنحه تأثيرًا كبيرًا على الأسواق المالية العالمية. يتفاعل الـدولار بشكل مستمر مع العديد من الأسواق والأصول المالية. حيث يؤثر على قيمة الأسهم والسندات، وكذلك على حركة العملات الأجنبية. عندما يرتفع الـدولار الأمريكي، ينعكس ذلك بشكل عام على الأسواق المالية من خلال زيادة جاذبية الأصول المقومة بالدولار، مثل السندات الأمريكية، وهو ما يعزز الطلب عليها. هذا الارتفاع في الطلب قد يؤدي إلى زيادة العوائد على السندات الأمريكية. مما يساهم في رفع قيمة الـدولار، بينما قد يؤدي انخفاض الطلب على الأصول الأخرى، مثل السلع التي يتم تداولها بالدولار، إلى تراجع أسعارها.
من ناحية أخرى، عندما ينخفض الـدولار الأمريكي، فإن هذا قد يجعل السلع المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة للمستثمرين الأجانب. مما يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها وتراجع أسعارها. هذا يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على أسواق السلع مثل النفط والذهب، اللذين يُتداولان عادةً بالدولار. على الرغم من ذلك، يشهد الـدولار في بعض الأحيان تراجعًا بسبب السياسة النقدية أو الأزمات الاقتصادية، مما قد يساهم في ارتفاع أسواق الأسهم، خاصة في الشركات التي تصدر منتجاتها إلى الخارج وتستفيد من ضعف الـدولار في رفع صادراتها.
تأثير الدولار يتعدى الأسواق المحلية ليشمل أسواق العملات. فعندما يرتفع الدولار، يشهد عادةً انخفاضًا في العملات الأخرى، بما في ذلك اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني. وهذا يؤثر على الشركات التي تعتمد على الاستيراد والتصدير، ويؤدي إلى تقلبات في الأسعار العالمية. من جانب آخر، قد يستفيد المستثمرون الأجانب من انخفاض الدولار، حيث تصبح الأسهم الأمريكية أقل تكلفة بالنسبة لهم. وفي نهاية المطاف، يُعتبر الدولار الأمريكي بمثابة مؤشر رئيسي للتوجهات الاقتصادية العالمية. تقلباته تؤثر بشكل ملحوظ على حركة الأموال بين الأسواق المالية في أنحاء العالم. كما تؤثر على قرارات السياسة النقدية في العديد من البلدان.