شهدت أسعار الذهب العالمية تقلبات ملحوظة خلال تعاملات يوم الاثنين، نتيجة للبيانات الاقتصادية الأمريكية التي قلبت أسواق السلع. فقد تم نشر تقرير عن التوظيف في الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضية، والذي فاجأ الأسواق بقوته. أظهرت البيانات نموًا كبيرًا في الوظائف غير الزراعية، مما عزز من قوة الدولار الأمريكي وأدى إلى ارتفاع قيمته. هذا الوضع أثر بشكل كبير على الذهب، مما دفع المعدن الأصفر إلى الانخفاض بعد فترة من الاستقرار النسبي.
كان تأثير هذا التقرير سريعًا، إذ ضغط على الذهب بسبب التقلبات التي أحدثها في الأسواق المالية. البيانات أظهرت أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يتمتع بمرونة واضحة، وهو ما دعم الموقف المتحفظ للاحتياطي الفيدرالي. التوقعات الخاصة بسياسات الفيدرالي أصبحت أكثر تشددًا، مما يرفع قيمة الدولار، ويقلل من جاذبية الذهب الذي يتم تسعيره بالدولار.
تقرير التوظيف وأثره على الأسواق
التقرير الصادر يوم الجمعة أظهر أن الاقتصاد الأمريكي قد أضاف أكثر من 300 ألف وظيفة جديدة في الشهر الماضي، وهو ما فاق التوقعات بشكل كبير. يعد هذا مؤشرًا إيجابيًا على استمرار قوة الاقتصاد الأمريكي، خاصة في القطاع غير الزراعي. بناءً على هذه النتائج، بدأت الأسواق في تعديل توقعاتها حول سياسات الفائدة المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي. حيث أظهرت البيانات أن الاحتياطي الفيدرالي قد يظل على موقفه الحذر تجاه تخفيض أسعار الفائدة.
تم دعم موقف الاحتياطي الفيدرالي من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، والذي أكد أنه سيسعى لفرض زيادات كبيرة على التعريفات الجمركية. هذا التوجه قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط التضخمية، مما يزيد من تعقيد الصورة بالنسبة لسياسات الاحتياطي الفيدرالي. يبدو أن هذه السياسات ستؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة، وبالتالي تقليص جاذبية الذهب كتحوط ضد التضخم.
ارتفاع الدولار وضغطه على الذهب
أدى تقرير الوظائف القوي إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ. الدولار أصبح أكثر جذبًا للمستثمرين بعد هذه البيانات، مما جعل المعدن النفيس الذي يتم تسعيره بالدولار أقل جاذبية للمشترين الأجانب. بشكل عام، يرتبط الذهب بعلاقة عكسية مع الدولار، حيث تميل أسعار الذهب إلى الانخفاض عندما يرتفع الدولار.
على الرغم من أن الذهب يعتبر من الأصول الآمنة في الأوقات التي تشهد فيها الأسواق تقلبات، إلا أن ارتفاع الدولار أدى إلى دفع الأسعار نحو الانخفاض. لذا، ومع هذه المستجدات، بات من الواضح أن الذهب قد يواجه ضغوطًا إضافية في حال استمر الدولار في الارتفاع.
التركيز على بيانات التضخم المقبلة
في ظل هذه التطورات، يتجه تركيز الأسواق الآن نحو بيانات التضخم الأمريكية المقررة لهذا الأسبوع. تشير التوقعات إلى أن التضخم قد يسجل مستويات مرتفعة، وهو ما سيؤثر بدوره على قرارات الاحتياطي الفيدرالي. وفي هذا السياق، سيكون من المهم متابعة أي إشارات تدل على تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، حيث قد تؤدي هذه الإشارات إلى تقليص ارتفاع الدولار وعوائد السندات.
يرتبط التضخم ارتباطًا وثيقًا بالذهب، حيث يفضل المستثمرون الذهب كأداة تحوط ضد ارتفاع أسعار السلع. لذلك، إذا ظهرت مؤشرات على تباطؤ التضخم، فقد يعزز ذلك من جاذبية الذهب ويعكس التوقعات الخاصة بتخفيض أسعار الفائدة.
التوقعات الخاصة بأسعار الفائدة
بناءً على البيانات الأخيرة، يبدو أن المتداولين يتوقعون أن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي أسعار الفائدة ثابتة خلال اجتماعه هذا الشهر. يعتقد الكثيرون أن الفيدرالي سيأخذ موقفًا حذرًا في ظل استمرار نمو الوظائف، وهو ما يعكس استمرار الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة.
في المقابل، يتوقع البعض أن الاحتياطي الفيدرالي قد يقوم بتخفيض أسعار الفائدة في وقت لاحق من العام، وربما يكون هذا في يونيو المقبل، وهو ما يمكن أن يعزز الطلب على الذهب. حيث يتأثر الذهب بشكل كبير بمعدلات الفائدة، إذ أن ارتفاع الفائدة يقلل من جاذبية الذهب كاستثمار، بينما يكون للخفض تأثير معاكس.
الذهب كأداة تحوط ضد التضخم
يُعد الذهب من الأصول الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون لحماية أموالهم من تأثيرات التضخم. ولكن، مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، يبدأ المستثمرون في إعادة تقييم جاذبية الذهب. فارتفاع أسعار الفائدة يزيد من تكاليف الاحتفاظ بالذهب، الذي لا يدر عوائد، وبالتالي تصبح الأصول التي توفر عوائد ثابتة أكثر جذبًا.
الاستعداد لموجة جديدة من عدم اليقين
وفقًا للمحللين في بنك ANZ، يبدو أن المستثمرين يستعدون لموجة جديدة من عدم اليقين، لا سيما مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، منصبه وتطبيق سياساته الاقتصادية. من المتوقع أن تثير السياسات الجديدة قلقًا في الأسواق المالية، مما يزيد من الضغوط على الذهب. حيث تتجه الأنظار إلى تأثير هذه السياسات على الأسواق العالمية، خاصة في ظل التوقعات بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات.
مراجعة الأسعار في أسواق المعادن الثمينة
فيما يخص المعادن الأخرى، فقد شهدت بعض المعادن الثمينة الأخرى أيضًا تراجعات في الأسعار. تراجع سعر الفضة بنسبة 0.6% ليصل إلى 30.21 دولارًا للأوقية، كما انخفض البلاتين بنسبة 0.4% ليسجل 960.54 دولارًا للأوقية. أما البلاديوم، فقد استقر عند 947.40 دولارًا للأوقية. يظهر ذلك أن الضغوط على الذهب قد امتدت إلى باقي المعادن الثمينة، نتيجة للارتفاع المستمر في قيمة الدولار الأمريكي.
الذهب في نهاية الأسبوع الماضي
وفي نهاية تعاملات يوم الجمعة، استطاع الذهب تحقيق مكاسب، ليعزز مكاسبه للأسبوع الثاني على التوالي. حيث ارتفعت أسعار العقود الآجلة للذهب تسليم شهر فبراير بنسبة 0.9%، أو ما يعادل 24.2 دولار، ليصل إلى 2715 دولارًا للأوقية. هذا الارتفاع يعكس تزايد المخاوف بشأن التضخم في الولايات المتحدة، خاصة في ظل تراجع ثقة المستهلكين لأول مرة خلال ستة أشهر.
من المتوقع أن تظل أسعار الذهب تحت ضغط بسبب التوقعات الاقتصادية في الولايات المتحدة وزيادة قيمة الدولار. في حال استمر الدولار في الارتفاع، قد يواجه الذهب المزيد من التحديات. ومع ذلك، تبقى التوقعات المتعلقة بتضخم أسعار السلع، إضافة إلى العوامل السياسية المرتبطة بسياسات ترامب، هي التي قد تحدد مصير الـذهب في الفترة القادمة.