شهدت أسعار الذهب يوم الخميس ارتفاعًا ملحوظًا، مما يعكس الزخم الإيجابي الذي استمر من نهاية عام 2024. يأتي هذا الارتفاع وسط توقعات بتغيرات كبيرة في السياسات الاقتصادية تحت إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، التي من المنتظر أن تساهم في تشكيل مستقبل الاقتصاد وأسعار الفائدة في العام الجديد.
حقق الذهب في عام 2024 مكسبًا كبيرًا تجاوز 27%، وهو أكبر مكسب سنوي منذ عام 2010. تم دعم هذه الزيادة من خلال خفض أسعار الفائدة بشكل حاد من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى جانب مشتريات ضخمة من البنوك المركزية. كما ساهمت التوترات الجيوسياسية التي شهدتها بعض المناطق في رفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية عدة مرات خلال العام الماضي.
حركة السوق ومؤشرات الاختراق
يُعزى الارتفاع المستمر في أسعار الذهب إلى تحركات السوق التي تشير إلى أن الذهب يتحرك في نطاق ضيق، وهو ما يراه كايل رودا، محلل الأسواق المالية في “كابيتال.كوم”، بمثابة علامة على استعداد السوق لاختراق جديد. في حديثه، أشار رودا إلى أن هذا الاختراق من المتوقع أن يكون في الاتجاه الصعودي، مما يشير إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار على المدى القصير.
مع بداية عام 2025، من المتوقع أن يواصل الذهب مساره الصعودي. يرجع ذلك بشكل رئيسي إلى المخاطر الجيوسياسية المستمرة، إضافة إلى التوقعات بارتفاع الديون الحكومية، بسبب العجز المالي الكبير المتوقع في ظل الإدارة الجديدة للرئيس ترامب. على الرغم من التحديات المحتملة، مثل تباطؤ خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وقوة الدولار، يتوقع رودا أن تظل توقعات السوق متفائلة بشأن الذهب.
وفي نفس السياق، سجلت عقود الذهب الآجلة ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.2%، حيث وصل سعر الأوقية إلى 2,646.70 دولار. هذه الزيادة تمثل مؤشرًا آخر على أن الذهب سيظل أحد أبرز الخيارات الاستثمارية في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. خصوصًا في ظل المخاوف المتعلقة بالتضخم والتوترات الجيوسياسية المستمرة.
تأثير السياسات الاقتصادية في العام الجديد
تترقب الأسواق بيانات اقتصادية أمريكية من المقرر أن تصدر في الأسبوع المقبل. من المتوقع أن تؤثر هذه البيانات بشكل كبير على التوقعات المتعلقة بأسعار الفائدة في 2025، خاصة في ضوء السياسات الجمركية التي قد يتخذها الرئيس ترامب. يتوقع المتداولون أن يتبنى الاحتياطي الفيدرالي نهجًا بطيئًا وحذرًا في ما يتعلق بخفض أسعار الفائدة خلال العام الجديد. حيث يُنتظر أن يستمر التضخم في تجاوز هدفه البالغ 2%، مما يعزز توقعات بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية المتاحة على منصة إنفستنغ السعودية، تشير التوقعات إلى أن هناك فرصة بنسبة 11.2% فقط لتخفيض أسعار الفائدة في يناير المقبل، مما يعكس حذر الأسواق بشأن أي تغييرات سريعة في السياسة النقدية.
الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين
الذهب يعتبر من أبرز الخيارات الاستثمارية الآمنة في أوقات عدم اليقين. سواء كان ذلك بسبب التوترات الجيوسياسية أو بسبب التقلبات الاقتصادية المحلية والدولية. عادة ما يسعى المستثمرون إلى الذهب كوسيلة للحفاظ على قيمة أموالهم خلال فترات الاضطراب. وعلى الرغم من أن الذهب يستفيد من أوقات عدم اليقين، إلا أنه في الوقت نفسه يتأثر سلبًا بارتفاع أسعار الفائدة. فعندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، يزداد العائد على الاستثمارات الأخرى مثل السندات.
تفاصيل حركة الذهب والدولار في أولى جلسات العام
في أولى جلسات تداول العام الجديد، شهدت أسعار الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.4%، ليصل سعر الأوقية إلى 2,634.88 دولار. هذا الارتفاع يعكس تفاؤل الأسواق تجاه الذهب في بداية العام، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العام الذي ساد في الأشهر الأخيرة من عام 2024. يعكس هذا النمو استمرار الزخم الإيجابي الذي شهدته الأسعار في نهاية العام الماضي، وسط التوقعات بتحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل القريب.
شهد الدولار الأمريكي تراجعًا طفيفًا في أولى جلسات العام، حيث انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.14% ليصل إلى 108.14 نقطة. يُعتبر هذا التراجع في الدولار دعمًا إضافيًا للذهب، حيث أن انخفاض قيمة الدولار يعزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن للمستثمرين.
المعادن الأخرى وأداء السوق
في إطار حركة المعادن الأخرى، شهدت الفضة أداءً قويًا في أولى جلسات التداول للعام الجديد. حيث ارتفع سعر الفضة بنسبة 1.6% ليصل إلى 29.34 دولار للأوقية. هذا الارتفاع جاء بعد عام 2024 الذي شهد للفضة أفضل أداء لها منذ عام 2020. مما يعكس التفاؤل في الأسواق تجاه المعادن الثمينة الأخرى بجانب الذهب. يعتبر هذا الارتفاع في الفضة استجابة للتطورات الاقتصادية والجيوسياسية التي أثرت بشكل إيجابي على الطلب على المعادن الثمينة.
أما بالنسبة للبلاديوم، فقد سجل أيضًا ارتفاعًا بنسبة 1.1% ليصل سعر الأوقية إلى 913.47 دولار. يعتبر هذا الارتفاع خطوة إيجابية للبلاديوم بعد عام 2024 الذي شهد تراجعًا طفيفًا في قيمته. على الرغم من ذلك، لا يزال البلاديوم يواجه تحديات في السوق تتعلق بالتقلبات الاقتصادية والطلب الصناعي الذي يؤثر بشكل كبير على قيمته.
أما البلاتين، فقد ارتفع بنسبة 0.9% ليصل إلى 918.65 دولار للأوقية. وعلى الرغم من هذا الارتفاع الطفيف، إلا أن البلاتين قد سجل تراجعًا عامًا في عام 2024 مقارنة بالفضة والذهب. يعود هذا التراجع إلى تراجع الطلب الصناعي في بعض القطاعات، وهو ما أثر سلبًا على أداء المعدن الثمين.
بالمجمل، يعكس أداء المعادن الأخرى في بداية العام تنوعات في السوق. حيث شهدت بعض المعادن مثل الفضة والبلاديوم تحسنًا ملحوظًا، بينما لا يزال البلاتين يواجه تحديات. هذا التباين في الأداء بين المعادن الثمينة يُظهر التفاعل المستمر مع الأحداث الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
الآفاق المستقبلية للذهب
من الواضح أن سوق الذهب يستعد لمواصلة مسار مكاسبه في العام الجديد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة. العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تؤثر في هذا السوق تؤكد على أهمية الذهب كملاذ آمن. مع تزايد التوترات الجيوسياسية واحتمالية ارتفاع الديون الحكومية، يظل الذهب عنصرًا أساسيًا في محفظات المستثمرين الباحثين عن استثمار آمن.
من المتوقع أن تتأثر أسعار الذهب بشكل أكبر بتغيرات السياسة النقدية، خاصة مع تباطؤ قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. في الوقت نفسه، تبقى التوقعات بشأن الاقتصاد الأمريكي مع استمرار إدارة ترامب محط أنظار السوق.