قطاع التصنيع في منطقة اليورو ينهي 2024 بالانكماش

قطاع التصنيع في منطقة اليورو

قطاع التصنيع في منطقة اليورو يختتم عام 2024 بالانكماش المستمر، مسجلاً تدهوراً ملحوظاً في ظروف السوق. أظهرت نتائج مسح مؤشر مديري المشتريات HCOB لشهر ديسمبر أن الانخفاضات في الإنتاج والطلبات الجديدة أصبحت أكثر تسارعاً، مما أدى إلى استمرار تدهور قطاع التصنيع في جميع أنحاء منطقة اليورو لمدة عامين ونصف. شهدت الشركات مزيدًا من التحديات حيث تم تقليص أنشطة الشراء والمخزونات بشكل حاد. كما استمرت مستويات التشغيل في الاتجاه الهبوطي، على الرغم من تحسن طفيف في ثقة الأعمال، حيث ارتفعت توقعات النمو لأعلى مستوى في أربعة أشهر.

أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعي HCOB لمنطقة اليورو أن المؤشر الرئيسي سجل قراءة دون 50.0 للشهر الثلاثين على التوالي في ديسمبر، مما يعكس الركود المستمر في القطاع. على الرغم من هذه القراءة السلبية، كانت هناك بعض التباينات بين دول منطقة اليورو. في حين أن دول الجنوب مثل إسبانيا واليونان شهدت تحسناً في ظروف القطاع، ظلت الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في حالة تدهور. حيث سجلت فرنسا أدنى مستوى لها منذ مايو 2020. هذه التباينات تشير إلى تأثيرات غير متساوية بين الدول التي تشملها منطقة اليورو.

انخفض الطلب على سلع منطقة اليورو مرة أخرى في نهاية عام 2024، حيث تسارع الانكماش في الطلبات الجديدة. هذا الانخفاض في الطلبات كان مدفوعًا بشكل رئيسي من السوق المحلية، حيث سجلت أوامر التصدير الجديدة انخفاضاً أبطأ مقارنة بالشهر السابق. في الوقت نفسه، استمر إنتاج السلع في التراجع عبر جميع الصناعات. حيث كان انخفاض الإنتاج في ديسمبر هو الأشد منذ أكتوبر 2023. هذا التراجع في الإنتاج يعكس حالة ضعف عام في الاقتصاد الأوروبي. حيث عجزت الشركات عن استعادة وتيرة النمو حتى في ظل تراجع معدلات الإنتاج.

تحديات مستمرة في قطاع التصنيع مع تباطؤ الانكماش

على الرغم من انخفاض الإنتاج، استطاعت الشركات المصنعة الحفاظ على مستوى الإنتاج إلى حد ما من خلال تقليص أعداد العمالة. ومع استمرار الانكماش، واجهت الشركات ضغوطًا كبيرة في المحافظة على مستويات الإنتاج والعمالة. انخفضت أعداد القوى العاملة في القطاع بشكل ملحوظ للشهر السادس عشر على التوالي، إلا أن هذه الانخفاضات في العمالة تباطأت مقارنة بالشهور السابقة. يُظهر هذا أن الشركات قد لجأت إلى تقليص الوظائف كوسيلة للتكيف مع البيئة الاقتصادية الصعبة.

سجلت الشركات المصنعة أيضًا انخفاضًا كبيرًا في أنشطة الشراء خلال ديسمبر 2024. انخفض شراء المدخلات بشكل حاد، كما انخفضت مخزونات السلع الوسيطة قبل الإنتاج. كان هذا الانخفاض في المخزونات من بين الأقوى منذ عام 2009. مما يشير إلى استمرار ضعف الطلب وتوقع الشركات أن يستمر هذا الوضع في الأشهر المقبلة. كما تم تقليص المخزونات من السلع النهائية، ما يعكس مخاوف الشركات من أن الطلب على المدى القريب لن يتحسن بشكل ملحوظ.

فيما يخص تطورات الأسعار، استمرت تكاليف الإنتاج في منطقة اليورو بالثبات خلال ديسمبر. مما أتاح للمصانع تخفيض أسعار سلعها المصنعة للحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن الانكماش. ومع انخفاض تكاليف المواد الخام والطاقة، تمكنت الشركات من تسريع انخفاض أسعار بيع منتجاتها للشهر الرابع على التوالي.

على الرغم من هذه الصعوبات، أظهرت البيانات بعض التفاؤل بشأن المستقبل. ارتفعت توقعات النمو للأشهر الاثني عشر المقبلة، إذ بلغ تفاؤل الشركات أعلى مستوى له في أربعة أشهر. مع ذلك، لم تكن الثقة في المستقبل كافية لتعويض الركود المستمر، وظلت التوقعات بعيدة عن مستويات النمو المستدام. ورغم هذا التفاؤل، من المتوقع أن يواجه القطاع الصناعي تحديات كبيرة في الأشهر القادمة، إذ يعتقد الخبراء الاقتصاديون أن الأوضاع الاقتصادية قد تستمر في التأثير على أداء القطاع في عام 2025.

أزمة قطاع التصنيع في منطقة اليورو: التحديات والتوقعات

وفي هذا السياق، أشار كبير خبراء الاقتصاد في بنك هامبورج التجاري، إلى أن التدهور في قطاع التصنيع لا يُظهر أي إشارات على التحسن في الأفق القريب. وقال إن الانخفاض المتسارع في الطلبات والتراكمات يشير إلى عدم وجود تعافٍ سريع. وأكد أن التحدي الحقيقي سيكون عندما تبدأ الشركات في إعادة بناء مخزوناتها من السلع الوسيطة. لكن ديسمبر لم يُظهر أي بوادر على حدوث ذلك. وبدلاً من ذلك، استمرت الشركات في تقليص مخزوناتها من السلع النهائية بشكل سريع.

كما أشار إلى أن الشركات لا تزال تخفض أعداد موظفيها. مما يعكس حالة من الاستغناء عن العمالة بسبب ضعف الطلب على المنتجات. وأضاف أن هذا الاتجاه سيستمر في الأشهر القادمة، خاصة في ضوء إعادة هيكلة الشركات وتقليص العمالة. هذه الوضعية تُظهر أن قطاع التصنيع في منطقة اليورو يواجه أزمة حقيقية في ظل انخفاض الطلبات والإنتاج.

أما بالنسبة للقطاع في إسبانيا، فقد أظهرت البيانات تحسناً ملحوظاً، حيث استمر قطاع التصنيع في إسبانيا في التوسع بشكل قوي مقارنةً بالدول الكبرى في منطقة اليورو مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي كانت عالقة في الركود الصناعي. وأشار دي لا روبيا إلى أن إسبانيا تتمتع بميزة في قدرتها على تقليل التأثيرات السلبية للاقتصاد العالمي، لا سيما من الصين، حيث تمثل صادراتها إليها نسبة ضئيلة جدًا. كما ساعدت تكاليف الطاقة المنخفضة إسبانيا على تجاوز الأزمة بشكل أفضل. ومع ذلك، رغم تحسن الوضع في إسبانيا. فإن الاقتصاد الإسباني لن يكون كافيًا لإعادة إنعاش الاقتصاد الأوروبي بشكل كامل. حيث لا تمثل إسبانيا سوى 12% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.

في الختام، يبقى قطاع التصنيع في منطقة اليورو في وضع صعب للغاية مع استمرار الانكماش والتحديات الاقتصادية. وعلى الرغم من التفاؤل المحدود في بعض المناطق مثل إسبانيا، يبقى القطاع الصناعي في عموم منطقة اليورو في حالة ركود مستمر. مع توقعات ضعيفة للنمو في المستقبل القريب.