في تطور مستمر، يواصل المستثمرون بيع حصصهم من صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب للسنة الرابعة على التوالي خلال عام 2024. يحدث هذا على الرغم من تسجيل أسعار الذهب مستويات قياسية جديدة، واستئناف الاحتياطي الفيدرالي سياسة التيسير النقدي. هذا الاتجاه يتناقض مع الاعتقاد التقليدي بأن الذهب يعد ملاذًا آمنًا خلال فترات الاضطراب الاقتصادي والسياسي. سنلقي الضوء على أسباب هذا التحول في أسواق الذهب ونستعرض العوامل التي تدفع المستثمرين إلى اتخاذ هذه الخطوة.
التفاؤل بمعدلات الفائدة وارتفاع الدولار
شهدت صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالذهب انتعاشًا مؤقتًا مع بداية 2024. هذا التفاؤل كان ناتجًا عن التوقعات بتخفيض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، مما قد يعزز من قيمة الذهب. ومع ذلك، تلاشى هذا الزخم بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، والتي شهدت فوز دونالد ترامب. جاء هذا التحول ليعزز من قوة الدولار الأمريكي، مما دفع العديد من المستثمرين إلى التخلي عن صناديق الذهب.
التحولات في الأسواق المالية
إلى جانب قوة الدولار، كانت أسواق أخرى مثل الأسهم والعملات المشفرة، بما في ذلك البيتكوين، قد شهدت تدفقًا كبيرًا من السيولة. هذه العوامل جعلت الذهب يخسر جاذبيته مقارنة بالأصول الأخرى. على الرغم من أن الذهب عادة ما يعتبر أداة استثمارية آمنة في أوقات الأزمات الاقتصادية، إلا أن تحسن الأداء في الأسواق الأخرى كان كافيًا لجذب السيولة بعيدًا عن أسواق الذهب.
الذهب كملاذ آمن: هل مازال يحتفظ بجاذبيته؟
لطالما كان الذهب يعتبر ملاذًا آمنًا خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ففي عام 2020، خلال ذروة الجائحة، ارتفعت الاستثمارات في صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب بشكل ملحوظ. هذا التحول كان بسبب حالة عدم اليقين الكبير الذي تسببت فيه الجائحة. في تلك الفترة، استقبل الذهب تدفقات ضخمة من الاستثمارات كوسيلة للتحوط من مخاطر الأسواق.
تحول التركيز إلى الذهب الفعلي
بدأ هذا الاتجاه في التراجع بعد عامين من ذروة الجائحة، وذلك بسبب التغيير في السياسات الاقتصادية الأمريكية. حيث بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، مما قلل من جاذبية الذهب. وعادة ما يقلل ارتفاع أسعار الفائدة من جاذبية المعدن الاصفر باعتباره أصلًا استثماريًا، وذلك بسبب عدم تقديمه لأي عوائد مالية ثابتة بالمقارنة مع الأصول الأخرى التي توفر عوائد مربحة في بيئات ارتفاع الفائدة.
في الوقت نفسه، شهدت أسواق أخرى تحولات جديدة. دفعت التوترات الجيوسياسية الناتجة عن الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط المستثمرين إلى التركيز على شراء الذهب الفعلي. أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المعدن الأصفر في الأسواق الناشئة والبنوك المركزية التي سعت إلى تنويع محافظها الاستثمارية. هذه التوجهات دفعت العديد من البنوك المركزية إلى تعزيز مشترياتها من المعدن الاصفر، خاصة في أسواق آسيا التي شهدت زيادة ملحوظة في الطلب على الذهب الفعلي.
هذا التحول في استراتيجيات الاستثمار يعكس توجهًا جديدًا في الأسواق العالمية. حيث بات المستثمرون يتجهون إلى الأصول التي تحفظ القيمة، خاصة في أوقات التقلبات الاقتصادية والسياسية. ومع زيادة المخاوف من التوترات العالمية، يبدو أن الاستثمار في المعدن الاصفر المادي قد أصبح أولوية بالنسبة للعديد من المستثمرين.
مشتريات البنوك المركزية وتأثيرها على أسواق الذهب
من جهة أخرى، يعتقد ديفيد ميلر، كبير مسؤولي الاستثمار في “كاتاليست فندز”، أن البنوك المركزية ستواصل تعزيز حيازتها من الذهب في السنوات المقبلة. يشير التقرير إلى أن صافي مشتريات البنوك المركزية من المعدن الاصفر قد تجاوز ألف طن خلال عامي 2022 و2023. ومن المتوقع أن تواصل البنوك المركزية هذا الاتجاه في 2024، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية المستمرة.
في حين أن البنوك المركزية تواصل شراء المعدن الاصفر، فإن الأسواق المالية الأخرى تشهد تغييرات كبيرة. ويُتوقع أن تؤدي السياسات الحمائية التي قد يتبناها الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى تفاقم مخاطر التضخم واندلاع الحروب التجارية.، يبدو أن البنوك المركزية تفضل التوسع في الاحتفاظ بالذهب كوسيلة لتحوط احتياطياتها من هذه المخاطر المستقبلية.
مخاوف من التضخم وارتفاع معدلات الفائدة
تعتبر السياسات النقدية من أهم العوامل التي تؤثر على أسواق الذهب. وفي الفترة الأخيرة، شهدت العديد من الاقتصادات الكبرى إجراءات مشددة من حيث رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم. وهذا جعل الذهب، الذي لا يدر عوائد مالية ثابتة، أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين الذين يبحثون عن أصول قادرة على توليد دخل.
ورغم ذلك، هناك بعض التوقعات التي تشير إلى أن بيئة أسعار الفائدة المرتفعة قد تؤدي إلى تقليص حوافز الاستثمار في الأسواق الأخرى مثل الأسهم أو السندات. في هذه الحالة، يمكن أن يعود المعدن الاصفر ليحظى بجاذبية أكبر إذا استمرت المخاوف من التضخم أو إذا استمرت حالة عدم اليقين الاقتصادي.
التوقعات المستقبلية للذهب في 2025
بحلول عام 2025، تشير بعض التوقعات إلى أن المعدن الاصفر قد يعود للارتفاع، خاصة في ظل المخاطر الجيوسياسية المستمرة، مثل حالة عدم الاستقرار في أوكرانيا والشرق الأوسط. كما يتوقع العديد من الخبراء أن تزداد ديون الحكومة الأمريكية بشكل كبير، مما قد يؤثر سلبًا على قيمة الدولار ويجعل الذهب خيارًا أكثر أمانًا للمستثمرين.
كما يتوقع المحللون أن يعزز الذهب دوره كأداة تحوط ضد التضخم في بيئات الفائدة المنخفضة. من جانب آخر، إذا استمرت التوترات الجيوسياسية، فمن المرجح أن يكون هناك زيادة في الطلب على المعدن الاصفر كملاذ آمن في ظل هذه الظروف.
ختامًا: كيف ينظر المستثمرون إلى المعدن الاصفر؟
إن سحب الأموال من أسواق الذهب في 2024 يعكس توجهًا جديدًا للمستثمرين نحو أسواق أخرى مثل الأسهم والعملات المشفرة. في الوقت نفسه، يظل المعدن الاصفر أحد الأصول الاستثمارية المفضلة للمستثمرين الذين يسعون إلى حماية أموالهم من المخاطر. بينما يتوقع الخبراء استمرار التقلبات في أسواق الذهب في المستقبل القريب. من المرجح أن يبقى المعدن الأصفر جزءًا من استراتيجية التنويع في محفظات العديد من المستثمرين.