تباطؤ التضخم في سبتمبر لكنه لا يزال مرتفعًا، وماذا يعني ذلك لسياسة الفيدرالي؟
صدر اليوم تقرير الدخل والإنفاق الشخصي الشهري في الولايات المتحدة، متضمّنًا مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي (Core PCE) ، والذي أظهر أن التضخم لا يزال عنيدًا بالرغم من تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي. ووفقًا لمكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA)، ارتفع مؤشر الأسعار العام للـ PCE بنسبة 0.3% في سبتمبر. بينما ارتفع مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي ، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، بنسبة 0.2% على أساس شهري. وعلى أساس سنوي، بلغ التضخم الأساسي 2.8%.
تمثل هذه القراءة تباطؤًا طفيفًا مقارنة ببعض الأشهر السابقة، لكنها لا تزال أعلى من هدف التضخم البالغ 2% الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي. ويأتي التقرير في لحظة حساسة، إذ تُسعّر الأسواق احتمال خفض أسعار الفائدة في الاجتماع القادم للفيدرالي، ومن المتوقع أن يختبر هذا التقرير مدى استمرار تلك التوقعات. عقب صدور البيانات، أظهرت الأسواق حالة من التفاؤل الحذر؛ فقد ارتفعت الأسهم بشكل طفيف. بينما ظلت عوائد السندات مستقرة نسبيًا، في انعكاس للتوازن الدقيق بين مخاوف التضخم وآفاق النمو.
ويرى الاقتصاديون أن التضخم العام يستمر في التقلب بفعل أسعار الطاقة والغذاء. بينما يقدم التضخم الأساسي قراءة أوضح لضغوط الأسعار الجوهرية. وباعتبار أن مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي هو المؤشر المفضل لدى الفيدرالي لقياس التضخم، فإن ثباته عند 2.8% قد يؤثر في قرارات السياسة النقدية، خاصةً في ظل تفويض الفيدرالي المزدوج المتمثل في السيطرة على التضخم ودعم التوظيف. لذلك يراقب المتداولون والمستثمرون في السندات والأسهم البيانات عن كثب لتقييم ما إذا كان “التفاؤل بخفض الفائدة” لا يزال مبررًا أم يحتاج إلى إعادة نظر.
باختصار: يعزز تقرير مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي الصادر اليوم حقيقة أن التضخم ما يزال ثابتًا، وكذلك حالة عدم اليقين بشأن مدى جرأة الفيدرالي في التيسير النقدي. ومن المرجح أن تنعكس هذه الحالة على أسواق السندات والأسهم والعملات في المدى القريب.
لماذا يعد مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي مهمًا؟ وما دلالاته على الفيدرالي، العوائد، ومخاطر السوق؟
تكمن أهمية مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في قدرته على عكس اتجاهات التضخم المستمرة، إذ يستبعد فئات الغذاء والطاقة شديدة التقلب، ما يمنح صناع السياسات والأسواق مقياسًا أكثر استقرارًا لضغوط الأسعار. وبما أن منهجية هذا المؤشر تُهذّب التقلبات، فإنه غالبًا ما يُظهر تضخمًا أقل حدة مقارنة بمؤشر أسعار المستهلكين (CPI)، لكنه يبقى ذو تأثير قوي على قرارات أسعار الفائدة.
ومع تسجيل مؤشر الـ Core PCE نسبة 2.8% على أساس سنوي، يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه أمام معادلة دقيقة. فمن جهة، لا يزال التضخم أعلى من المستوى المستهدف، ما يزيد الضغط على مسؤولي البنك المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. ومن جهة أخرى، أظهرت البيانات الحديثة حول إنفاق المستهلك ونمو الوظائف إشارات متباينة. ما يفتح الباب أمام احتمال خفض الفائدة إذا تباطأ النمو الاقتصادي. وبالتالي، قد يدفع هذا المستوى الحالي من PCEإلى تخفيف التوقعات بشأن دورة تيسير نقدي قوية، حتى لو كانت الأسواق تطالب بالمزيد من الخفض. وفي الواقع، بدأت أسواق العقود الآجلة في التعديل بالفعل. حيث قام المتداولون بتسعير احتمالات محدودة فقط لخفض إضافي بعد اجتماع ديسمبر.
أما بالنسبة للأصول الحساسة للعوائد، فقد يعني ذلك فترة من الاستقرار النسبي. فمن غير المرجح أن تتحرك عوائد السندات طويلة الأجل بعيدًا عن مستوياتها الحالية، ما لم يعاود التضخم الارتفاع أو تأتي البيانات بنتائج مفاجئة. وقد تتعرض أسواق الأسهم، خصوصًا قطاعات النمو والأسهم مرتفعة التقييم، لضغوط إذا بدأت العوائد الحقيقية في الارتفاع مجددًا. بينما قد تستفيد القطاعات المالية والأسهم ذات العوائد المرتفعة في بيئة تضخم مستقرة وغير مفرطة.
وعلى صعيد شهية المخاطرة، قد يؤدي هذا الاستقرار النسبي مقترنًا بارتفاع طفيف في التضخم إلى زيادة الحذر داخل الأسواق. فقد يتجه المستثمرون إلى خفض الرافعة المالية، تقليل الانكشاف على الأصول الحساسة لأسعار الفائدة، والتحول نحو القطاعات الدفاعية أو الأصول ذات العوائد الحقيقية. وفي الوقت ذاته، قد تتراجع أداء القطاعات المرتبطة بالإنفاق والخدمات إذا بدأت الأسعار المرتفعة في التأثير على القوة الشرائية للأسر.
ما الذي يجب على المتداولين مراقبته؟ المحركات القادمة، المخاطر، والاستراتيجيات المحتملة
في ضوء نتائج مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي الصادرة اليوم. ينبغي للمتداولين التركيز على عدة محفزات أساسية قادمة، لكل منها القدرة على تحريك الأسواق بقوة.
أولاً، يزداد التركيز الآن على اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقبل. فإذا أظهرت بيانات التوظيف أو استطلاعات ثقة المستهلك المنتظرة علامات واضحة على التباطؤ. فقد يعيد المتداولون تسعير احتمالات خفض الفائدة صعودًا. وعلى العكس من ذلك، إذا ظل التضخم مرتفعًا بشكل مستمر أو عاد للتسارع. فقد يتم تأجيل خفض الفائدة، وهو ما قد يضغط على الأصول عالية المخاطر ويرفع العوائد.
ثانيًا، ستكتسب البيانات الاقتصادية القادمة، مثل مبيعات التجزئة، ثقة المستهلك، ومؤشرات التصنيع، أهمية أكبر من أي وقت مضى. فهذه المؤشرات ستُظهر ما إذا كان بإمكان الأسر والشركات الاستمرار في الإنفاق في ظل ارتفاع الأسعار. تقرير ضعيف لمبيعات التجزئة أو ثقة المستهلك قد يعزز النظرة السلبية في سوق الأسهم. بينما البيانات القوية قد تعيد إشعال التفاؤل تجاه النمو.
ثالثًا، يبدو أن التدوير القطاعي أصبح أكثر احتمالاً. ففي ظل استقرار نسبي للعوائد الحقيقية واستمرار التضخم في مستويات مرتفعة، قد تحظى القطاعات الدورية، مثل المالية والصناعات والسلع الاستهلاكية الأساسية، بجاذبية أكبر مقارنة بقطاعات النمو أو القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة مثل التكنولوجيا. وقد يجد المتداولون فرصًا في أسهم العوائد (Dividend Stocks) أو أسهم القيمة، خصوصًا إذا بقيت العوائد جذابة مقارنة بالعائد الحقيقي المتوقع.
رابعًا، قد تتغير تدفقات العملات والاستثمارات الدولية. فبيئة العوائد الأميركية المستقرة ولكن المرتفعة نسبيًا قد تدعم قوة الدولا. وهو ما يؤثر بدوره على أصول الأسواق الناشئة، والسلع، وأرباح الشركات متعددة الجنسيات. هذا العامل قد يكون محركًا مهمًا لمتداولي الفوركس والسلع، خاصة في تداول الذهب، النفط، أو صفقات الكاري.
أخيرًا، تُعد إدارة المخاطر عنصرًا أساسيًا. فمع استمرار عدم اليقين حول التضخم وأسعار الفائدة. يجب على المتداولين تجنّب الإفراط في الرافعة المالية، التفكير في التحوّط ضد مخاطر أسعار الفائدة، والحفاظ على محافظ متنوعة.