فرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قيودًا صارمة على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، وذلك في محاولة لإبطاء تقدم الصين في مجالات التكنولوجيا المتطورة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي(DeepSeek). إلا أن هذه القيود قد أدت بشكل غير مباشر إلى تحفيز الابتكار في الصين، حيث اضطرت الشركات الصينية إلى إيجاد حلول مبتكرة وفعّالة باستخدام موارد أقل.
إحدى هذه الشركات هي DeepSeek، وهي شركة صينية ناشئة تأسست في مايو 2023 في مدينة هانغتشو على يد ليانغ وينفنج، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات في مجالي صناديق التحوط والذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من قلة الموارد المتاحة لها، استطاعت DeepSeek أن تتحدى الشركات العالمية الكبرى في قطاع الذكاء الاصطناعي.
DeepSeek تحدي جديد للصناعات الأمريكية
أثارت DeepSeek ضجة كبيرة في الأسواق العالمية منذ إطلاقها تطبيق R1، وهو نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر استطاع التفوق على نموذج OpenAI في العديد من الاختبارات. هذا النموذج الجديد لم يكن فقط قادرًا على التفوق تقنيًا. بل تمكن أيضًا من تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في متجر آبل، متجاوزًا بذلك ChatGPT من OpenAI في تصنيفات التحميل.
من اللافت أن تكلفة تصميم هذا النموذج لم تتجاوز 6 ملايين دولار. وهي تكلفة منخفضة جدًا مقارنة بالمليارات التي تنفقها الشركات الأمريكية مثل Google وMicrosoft لتطوير نماذج مشابهة. ويثير هذا الرقم تساؤلات في الأسواق العالمية حول إمكانية بناء نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة باستثمارات أقل بكثير. مما يخلق تحديات جديدة للعمالقة الأمريكيين في هذا المجال.
صناعة التكنولوجيا الأمريكية تحت الضغط
تسبب نجاح DeepSeek في موجات من الصدمة في وول ستريت وواشنطن، إذ أظهر أن الشركات الصينية قد تكون قادرة على المنافسة دون الحاجة إلى الوصول إلى أحدث الأجهزة المتطورة. التي تشكل جزءًا كبيرًا من التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين. هذه التطورات تثير القلق في أوساط الخبراء الأمريكيين. الذين كانوا يعتقدون أن التفوق التكنولوجي الأمريكي يعتمد بشكل أساسي على الوصول إلى أحدث التقنيات وأجهزة المعالجة المتطورة.
المخاوف في وول ستريت: انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصف إطلاق DeepSeek بأنه “جرس إنذار” لصناعات التكنولوجيا الأمريكية، مؤكدًا أن هذه الصناعة يجب أن تركز على تعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة التحديات القادمة من الصين. ترامب أشار إلى ضرورة أن تعمل الشركات الأمريكية على تطوير تقنيات منافسة ذات تكلفة أقل وأكثر كفاءة.
تسبب نجاح DeepSeek في حدوث موجة بيع حادة لأسهم الشركات العاملة في مجال الرقائق والذكاء الاصطناعي في وول ستريت. مؤشر ناسداك خسر 3% من قيمته، كما خسرت إنفيديا، إحدى أبرز شركات تصنيع الرقائق المتطورة، ما يقرب من 589 مليار دولار من قيمتها السوقية. هذه التحولات السريعة في الأسواق تعكس القلق المتزايد من انفجار فقاعة أسهم الذكاء الاصطناعي. خصوصًا بعد ظهور DeepSeek التي استطاعت تقديم نموذج ذكاء اصطناعي منخفض التكلفة وبكفاءة عالية.
نموذج R1: تكلفة منخفضة وأداء متميز
تعد تكلفة تطوير نموذج R1 أحد أبرز النقاط المثيرة للجدل في عالم الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن بعض المحللين يشككون في الرقم الذي ذكرته DeepSeek حول تكاليف النموذج. فإن الواقع يظهر أن هذه التكلفة المنخفضة جدًا تفتح أبوابًا جديدة للتفكير حول إمكانية تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي متطورة دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة. تشير التقارير إلى أن هذا النموذج التفوق في اختبارات عدة، بما في ذلك السرعة والدقة في معالجة البيانات. وهو ما يعكس فعالية عالية بتكلفة منخفضة.
السياسات الأمريكية وتأثيرها على صناعة التكنولوجيا
في هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب عن خطط لفرض رسوم جمركية جديدة على الرقائق الإلكترونية المنتجة في الخارج. من شأن هذه السياسة أن تخلق مزيدًا من التحديات لصناعة التكنولوجيا الأمريكية. التي تعتمد بشكل كبير على تصنيع الرقائق في دول آسيوية مثل تايوان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها قد تساهم في تعزيز صناعة الرقائق المحلية في الولايات المتحدة. لكنها قد تؤدي أيضًا إلى زيادة التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
التطبيق الصيني يتفوق في التطبيقات العالمية
لقد شهد تطبيق DeepSeek انتشارًا واسعًا في السوق الأمريكية، حيث تمكن من أن يصبح من أكثر التطبيقات تحميلًا في متجر آبل خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويقدم التطبيق وظائف مماثلة لتطبيق ChatGPT من OpenAI، حيث يتيح للمستخدمين طرح الأسئلة والحصول على إجابات بشكل فوري. الأمر الذي دفع بعض الخبراء إلى التساؤل حول ما إذا كانت الشركات الصينية قادرة على أن تنافس نظيراتها الأمريكية دون الاعتماد على نفس التكنولوجيا المتطورة.
الصين في مجال الذكاء الاصطناعي: ماذا يعني المستقبل؟
تشير التقارير إلى أن نجاح DeepSeek يمكن أن يكون بداية لموجة من الابتكار في الصين. حيث يُتوقع أن تستمر الشركات الصينية في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة بتكلفة أقل بكثير مما ينفقه منافسوها في الغرب. علاوة على ذلك. يمكن لهذه الشركات الاستفادة من البيانات الضخمة والموارد البشرية الكبيرة المتوفرة في الصين لدفع الابتكار في هذا المجال.
هذا التوجه قد يشكل تحديًا حقيقيًا لشركات مثل Microsoft وGoogle، التي تهيمن على صناعة الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي. كما أن هذه الشركات قد تضطر إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الاستثمارية لتحافظ على ريادتها في هذا القطاع، خاصةً مع ظهور منافسين قادرين على تقديم تقنيات مشابهة بكلفة أقل.
المنافسة الشرسة على المستقبل التكنولوجي
اذا فإن ظهور DeepSeek وتفوقها على الشركات الأمريكية في مجالات معينة يعد مؤشرًا قويًا على أن المستقبل التكنولوجي قد يشهد تغييرات كبيرة في السنوات القادمة. وبالنظر إلى التوترات الحالية بين الولايات المتحدة والصين، قد تصبح المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي أكثر شراسة. لكن في النهاية. قد يكون الابتكار هو السبيل الوحيد الذي سيمكن أي طرف من التفوق، سواء كان في الولايات المتحدة أو في الصين.