الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة مجددًا: تقلبات في الأسواق مع ارتفاع أسعار الذهب

الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة مجددًا: تقلبات في الأسواق مع ارتفاع أسعار الذهب

خفض الفائدة 25 نقطة أساس، والأسواق تتفاعل مع قرار الفيدرالي وتوقعاته المتباينة

 

في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، خفّض الاحتياطي الفيدرالي اليوم سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل النطاق المستهدف إلى 3.50% – 3.75%، وهو الخفض الثالث على التوالي خلال عام 2025. ورغم أن القرار نفسه لم يُفاجئ الأسواق، فإن ما أثار التوتر الحقيقي هو الرسائل المرافقة: مخطط النقاط والتوقعات الاقتصادية كشفا عن انقسام عميق بين صُنّاع السياسة بشأن توقعات عام 2026. فبينما يرى البعض الحاجة إلى مزيد من الخفض، يتوقع آخرون تثبيت الفائدة أو حتى إمكانية رفعها مجددًا.

هذا المزيج ،  تخفيض فوري للفائدة مع توجيه مستقبلي حذر ، أحدث موجة تذبذب واسعة عبر الأسواق العالمية. ففي سوق السندات، ارتفعت عوائد السندات الأمريكية طويلة الأجل بشكل طفيف، في إشارة إلى حالة الارتباك بشأن الخطوة التالية للفيدرالي. أما أسواق الأسهم فقفزت في بداية الجلسة بدعم من توقعات انخفاض تكاليف الاقتراض، لكن هذه المكاسب بقيت محدودة مع إعادة المستثمرين تقييم توقعات النمو والأرباح وسط سياسة نقدية غير واضحة المسار.

أسواق العملات والسلع شهدت تحركات حادة أيضًا. إذ تراجع الدولار الأمريكي أمام معظم العملات الرئيسية مع تحوّل التدفقات نحو الأصول عالية المخاطر. بينما شهدت عملات الملاذ الآمن، مثل الين والفرنك السويسري ،  ارتفاعًا سريعًا ومؤقتًا. وصعد الذهب في بداية الجلسة كملاذ تقليدي في أوقات خفض الفائدة وتزايد المخاطر، لكن مكاسبه بقيت محدودة بسبب عدم وضوح مسار التضخم. أما أسعار النفط فتأرجحت ضمن نطاق ضيق، وسط صراع بين توقعات تحسن الطلب ومخاوف الركود العالمي.

بشكل عام، أدّى قرار اليوم والتوقعات المصاحبة له إلى إعادة تسعير شاملة في مختلف فئات الأصول. واتجه المتداولون والمستثمرون إلى وضع “الترقّب والحذر”، مستعدين لاقتناص الفرص في أسواق السندات أو العملات. لكن دون الدخول بقوة حتى تتضح رؤية الفيدرالي بصورة أكبر ويتبيّن مسار الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.

 

ما الذي يعنيه القرار؟ خلفيات اقتصادية ودلالات مهمة

 

يعكس خفض الفائدة اليوم استجابة الاحتياطي الفيدرالي لعلامات التباطؤ في سوق العمل، وإشارات النمو الضعيفة، ورغبته في دعم الزخم الاقتصادي. ووفقًا للبيان الرسمي، رأت اللجنة أن خفضًا محدودًا في تكاليف الاقتراض يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط الاقتصادية دون الإضرار بشكل كبير بالسيطرة على التضخم.

لكن التوقعات الاقتصادية التي نشرها الفيدرالي اليوم كشفت عن خلاف داخلي واسع. فبحسب مخطط النقاط الجديد، تتوقع التقديرات المتوسطة خفضًا إضافيًا بمقدار ربع نقطة مئوية خلال 2026. بينما يرى عدد كبير من صانعي السياسة أنه لا حاجة لمزيد من الخفض. ويعتقد بعضهم الآخر أن رفع الفائدة قد يصبح ضروريًا إذا استمر التضخم. هذا التباين يؤكد أن السياسة النقدية في المرحلة المقبلة ستعتمد على البيانات بشكل كبير، وهو ما يضيف مزيدًا من التقلب إلى الأسواق.

بالنسبة للأسر والشركات، قد تكون الآثار قصيرة المدى إيجابية: من المتوقع أن تنخفض معدلات الاقتراض والرهون العقارية. ما قد يدعم الإنفاق الاستهلاكي. لكن على الجانب الآخر، قد يؤدي الغموض في التوجيهات المستقبلية إلى تردد الشركات في الاستثمار طويل الأجل أو التوظيف. خاصة في القطاعات الأكثر حساسية لأسعار الفائدة، إلى حين اتضاح تكلفة رأس المال.

أما بالنسبة للأسواق الناشئة والتمويل العالمي، فقد يؤدي ضعف الدولار وانخفاض الفائدة الأمريكية إلى تحركات رؤوس الأموال باتجاه الأصول الأعلى عائدًا والأعلى مخاطرة ،  لكن بشرط استقرار النمو العالمي. وستواجه البنوك المركزية حول العالم معضلة الموازنة بين دعم النمو وكبح التضخم، ما يزيد تعقيد قراراتها المستقبلية.

باختصار: قرار الفيدرالي اليوم يعطي دفعة خفيفة للنمو والسيولة على المدى القصير. لكنه يترك الأسواق أمام طريق غير واضح، ما يستدعي مزيدًا من الحذر. فقد يجلب القرار بعض الارتياح الآن، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف من عودة عدم اليقين إذا عاد التضخم للارتفاع أو تباطأ النمو أكثر من المتوقع.

 

صدمة الأسواق: كيف أثّر خفض الفائدة على الذهب والعملات والمؤشرات العالمية؟

 

أحدث خفض الفيدرالي الأمريكي بمقدار 25 نقطة أساس، إلى جانب التوقعات الجديدة التي صدرت اليوم، تأثيرًا فوريًا وعميقًا في الأسواق العالمية. مما أدى إلى تحركات حادة في الذهب والعملات والمؤشرات والأسهم الحساسة للفائدة.

الذهب كان صاحب الاستجابة الأقوى. حيث شهد قفزة صعودية واضحة على إطارات M15 وH1، ليرتفع الذهب نحو منطقة 4,220 دولار مباشرة بعد الإعلان. ويُعزى هذا الارتفاع إلى أن خفض الفائدة يقلل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالأصول غير المدرة للعائد. إلى جانب نبرة الفيدرالي اللينة بشأن سياسة أوائل 2026، ما عزز زخم المعدن النفيس. وعلى الاتجاه المتوسط، يواصل الذهب التحرك داخل هيكل صاعد، ويعزز اختراق اليوم الحساسية الكبيرة للذهب تجاه توقعات سياسة الفيدرالي.

أما الدولار الأمريكي فقد تراجع أمام العملات الرئيسية فور صدور القرار، متأثرًا بتراجع توقعات العوائد قصيرة المدى واعتراف الفيدرالي بتباطؤ النشاط الاقتصادي. سجّل الدولار ين  و والدولار فرنك هبوطًا سريعًا، بينما حقق اليورو دولار و الباوند دولار مكاسب قوية مع تسعير الأسواق لمسار أضعف للدولار خلال 2026. ومع ذلك، لم يكن هبوط الدولار متساويًا؛ إذ حدّت تدفقات الملاذ الآمن من التراجع الأكبر بينما قامت الأسواق بهضم الرسائل المختلطة في توقعات الفيدرالي.

في المقابل، تفاعلت المؤشرات الأمريكية بإيجابية. حيث ارتفعت عقود S&P 500 و داو جونز و ناسداك مباشرة بعد القرار، مدفوعة بتوقعات انخفاض تكاليف الاقتراض وتحسن السيولة لدى الشركات. وسجلت القطاعات الحساسة للفائدة ،  مثل التكنولوجيا والعقارات والسلع الاستهلاكية ،  أقوى الصعود. بينما أظهرت القطاعات المرتبطة بالنمو الدوري، مثل الصناعات والقطاع المالي، سلوكًا أكثر حذرًا بسبب استمرار الضبابية بشأن سياسة 2026.

أما السلع الأخرى بخلاف الذهب،  بما فيها النفط والمعادن الصناعية .  فقد شهدت تقلبات معتدلة، متأثرة بشكل أساسي بتحركات الدولار أكثر من تأثيرات مباشرة للطلب. وستعتمد الحركة القادمة للأسواق على كيفية انسجام البيانات الاقتصادية المقبلة مع لهجة السياسة النقدية الحالية. لكن رد فعل اليوم يؤكد الحساسية الشديدة للأسواق العالمية تجاه أي تغيّرات، حتى بسيطة، في سياسة الفيدرالي.