ارتفاع الأسهم مع تصاعد توقعات خفض الفائدة: ما الذي يدفع صعود الأسواق اليوم؟
شهدت الأسهم الأمريكية اليوم موجة صعود قوية شكّلت بمثابة إعادة ضبط لاتجاهات السوق، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 0.9%، في حين صعد مؤشر S&P 500 بحوالي 0.3%، وارتفع مؤشر ناسداك المركّب بنسبة 0.2%. وجاء هذا الزخم الإيجابي بعد التراجع المفاجئ في بيانات التوظيف للقطاع الخاص. إذ أظهر تقرير ADP انخفاضًا قدره 32 ألف وظيفة في نوفمبر. مما أعاد إشعال توقعات الأسواق بإمكانية تحوّل الفيدرالي نحو خفض الفائدة خلال الفترة المقبلة.
هذا التحوّل في المعنويات انعكس على مختلف قطاعات السوق؛ إذ قادت أسهم الشركات الصغيرة المكاسب بقوة، وقفز مؤشر Russell 2000 بنحو 1.9%. كما اتجه المستثمرون نحو القطاعات المتضررة سابقًا والتي تستفيد عادة من انخفاض تكاليف الاقتراض، مثل: القطاع المالي، والطاقة، والصناعات الثقيلة. أما قطاع التكنولوجيا فشهد أداءً متباينًا، حيث ارتفعت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. بينما تراجعت شركات أخرى تحت ضغط تقييمات مرتفعة وصعود الدولار.
وفي أوروبا، واصلت الأسواق أداءها الإيجابي؛ إذ صعد مؤشر STOXX 600 بنسبة 0.1% ليكمل سلسلة مكاسب امتدت لثلاث جلسات. وتصدرت أسهم قطاعي الصناعات وصناعة السيارات قائمة الرابحين، مدعومة بتوصيات إيجابية من مؤسسات مالية كبرى. كما ساهمت النتائج الفصلية القوية لبعض الشركات ، خصوصًا في قطاعي التجزئة والتكنولوجيا، في تعزيز الاتجاه الصاعد، إذ صعد سهم شركة Dollar General الأميركية بنحو 3% بعد تجاوز توقعات الأرباح ورفع توجيهها السنوي.
ومع تراجع العوائد على السندات وتحسن شهية المخاطرة وارتفاع احتمالات خفض الفائدة، اتسم مناخ التداول بنبرة واضحة من “الإقبال على المخاطرة”. ومع ذلك، يرى المتداولون أن هذا الزخم مصحوب بقدر أعلى من التذبذب. فاستمرار الصعود يظل مرهونًا ببيانات اقتصادية قوية في الأسبوع المقبل، إضافة إلى مدى واقعية رهانات السوق بشأن مسار السياسة النقدية. بمعنى آخر: صعود اليوم يمثل فرصة تداول قوية، لكنه يتطلب إدارة صارمة للمخاطر والانضباط في اتخاذ القرارات.
أهمية صعود اليوم: إشارات الاقتصاد الكلي، توقعات الفائدة، وديناميكيات القطاعات
يكمن جوهر صعود الأسواق اليوم في كيفية تفسير المتداولين لضعف التوظيف في القطاع الخاص خلال نوفمبر، باعتباره إشارة على تباطؤ النمو الاقتصادي. وبالتالي دافعًا للفيدرالي الأميركي لبحث خفض أسعار الفائدة عاجلًا وليس آجلًا. هذا التصوّر انتشر سريعًا عبر النظام المالي؛ فمع تراجع عوائد السندات عقب صدمة تقرير ADP، أصبحت الأسهم أكثر جاذبية للمستثمرين.
هذا النوع من التحوّل عادة ما يدعم القطاعات الأكثر حساسية لأسعار الفائدة؛ فالقطاع المالي يستفيد من تحسّن انحدار منحنى العائد ومن انخفاض تكاليف الاقتراض للعملاء. بينما تستفيد قطاعات الصناعات والسلع الاستهلاكية المعمرة من توقعات تحفيز الطلب في الإسكان والسيارات ومعدات رأس المال.
وفي الوقت ذاته، تشهد أسهم التكنولوجيا والشركات ذات النمو المرتفع ، التي قادت موجات الصعود السابقة، نوعًا من إعادة التقييم. فرغم أن بعض الشركات، خاصةً في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، واصلت تقدمها بفضل توقعات أرباح قوية وزخم الابتكار بأكثر من 9% مدعومًا بحجوزات قوية. إلا أن شركات أخرى تأثرت بارتفاع التقييمات وبزيادة الحساسية لتحركات الدولار وعوائد السندات.
أما على مستوى الأسواق العالمية، فالتداعيات واسعة النطاق. إذ يمكن لهذا الصعود، مدفوعًا بتوقعات تيسير السياسة النقدية، أن يمتد إلى الأسواق الناشئة، وأسهم الشركات الصغيرة، والقطاعات التي كانت تحت ضغط سابقًا. لكن بما أن هذا التوجّه يعتمد بدرجة كبيرة على آمال خفض الفائدة. فإن أي خيبة أمل ، مثل بيانات تضخم أقوى من المتوقع أو تصريحات متشددة من الفيدرالي، قد تعكس الاتجاه سريعًا.
كما حظي القطاع المالي باهتمام إضافي؛ فمع استقرار العوائد وارتفاع توقعات خفض الفائدة، شهدت أسهم البنوك والخدمات المالية. وهي عادة الأكثر تأثرًا بتقلبات أسعار الفائدة، اهتمامًا متجددًا من المستثمرين. وفي ظل تراجع العوائد العالمية، تراجع الإقبال على الأصول الآمنة، مما دعم الأصول عالية المخاطر على حساب السندات.
ما الذي يجب أن يراقبه المتداولون خلال الجلسات القادمة؟ إشارات حاسمة، مخاطر، واستراتيجيات تداول
مع دخول الأسواق في وضعية صعود قوية، ينبغي على المتداولين التركيز على مجموعة من الإشارات الحاسمة خلال الأيام المقبلة. والتي قد تؤكد استمرار الزخم الحالي أو تعكسه تمامًا. أولاً، ستكون عوائد السندات ونتائج مزادات الخزانة عاملًا مهمًا؛ فإذا بقيت العوائد منخفضة أو تراجعت أكثر. قد تستمر الأصول عالية المخاطر في التفوق.
ثانيًا، ستلعب البيانات الاقتصادية القادمة، خصوصًا التضخم، مبيعات التجزئة، وقراءات التصنيع، دورًا حاسمًا في تشكيل توقعات الأسواق بشأن الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي. سلسلة من البيانات الضعيفة قد تدفع إلى مزيد من الصعود في قطاعات مثل الشركات الصغيرة، والقطاع المالي، والقطاعات الدورية. في حين أن البيانات القوية قد تعكس المشهد سريعًا.
ثالثًا، مراقبة تدوير السيولة بين القطاعات؛ فقد أظهرت جلسة اليوم قوة ملحوظة في قطاعات الصناعات والمالية وبعض أسهم التكنولوجيا، مما يشير إلى تحوّل من أسهم النمو مرتفعة التقييم نحو الأسهم الدورية والقيمية. قد ينظر المتداولون إلى فرص دخول في القطاعات ذات توقعات الأرباح الإيجابية وحساسية أقل تجاه رفع أسعار الفائدة.
وأخيرًا، يبقى الانضباط في إدارة المخاطر أمرًا ضروريًا. ومع ارتفاع حدة التذبذب اليوم، فإن إدارة الأحجام، واستخدام أوامر وقف الخسارة القريبة، والتحوط عبر الخيارات أو محافظ متنوعة، تعد أدوات مهمة لحماية رأس المال في حال تغير المزاج السوقي بسرعة.
في ظل هذا السياق المتغير، تصبح إدارة المخاطر المحسوبة أهم من أي وقت مضى. على المتداولين التفكير في مراكز متنوعة قابلة للتعديل، وتجنب التمركز المفرط في قطاع واحد. واستخدام أدوات وقف الخسارة والتحوط للحفاظ على المكاسب.
أما بالنسبة لمتداولي السوينغ، فقد توفر القطاعات ذات الأساسيات القوية، مثل الصناعات، السيارات، وبعض شركات التكنولوجيا أو التجزئة، أفضل توازن بين العائد والمخاطرة. وبالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل، قد تخلق تقلبات اليوم فرص شراء عند الانخفاض. ولكن مع ضرورة الانتباه للمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية الكامنة. باختصار: تعتمد موجة الصعود الحالية على آمال خفض الفائدة، وتراجع عوائد السندات، وتجدد شهية المخاطر، وهي عوامل توفر فرصًا جذابة للتداول.