التداول أثناء الأخبار: فرص ذهبية أم مخاطر عالية؟

التداول أثناء الأخبار: فرص ذهبية أم مخاطر عالية؟

لماذا تخلق الأخبار فرصًا قوية، ولماذا تحمل أيضًا مخاطر كبيرة؟

 

تتفاعل الأسواق بشكل حاد مع الأخبار المهمة، وبيانات الاقتصاد، وقرارات البنوك المركزية، والتطورات السياسية، لأن مثل هذه المستجدات تُغيّر فورًا توقعات المستثمرين بشأن النمو، والتضخم، وأسعار الفائدة، والمخاطر. هذا التغيير السريع غالبًا ما يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في التقلبات، ما يخلق بيئة خصبة يمكن للمتداولين استغلالها لتحقيق أرباح قوية في وقت قصير. وكما تشير أدلة التعليم التداولي وتقارير البحوث لدى شركات الوساطة، فإن تقلبات الأخبار عادةً ما تُحدث تحركات سعرية كبيرة وسريعة قادرة على توليد أرباح استثنائية خلال دقائق.

ومع ذلك، فإن هذه التقلبات سلاح ذو حدين. إذ تتسع الفروقات السعرية، وقد تنخفض السيولة، وتزداد الانزلاقات السعرية، وتتحرك الأسواق بعشوائية قبل أن تستقر على اتجاه واضح. المتداولون الذين يدخلون بشكل اندفاعي، خصوصًا باستخدام أحجام عقود كبيرة، يواجهون خطر تكبد خسائر كبيرة. وتشير أدلة إدارة المخاطر إلى أن كثيرًا من المتداولين يستخفون بمدى عدم القدرة على التنبؤ بردة الفعل الفورية بعد صدور البيانات، ما يجعلهم عرضة لانعكاسات مفاجئة أو تفعيل إيقافات الخسارة قبل استقرار الحركة.

ولهذا السبب، يتعامل المحترفون مع الأخبار الكبرى باعتبارها مناطق عالية المخاطر وليست فرص ربح مضمونة. هذا النهج يدعو إلى الحذر، ويعامل أحداث الأخبار كمناطق حساسة تتطلب انضباطًا واستعدادًا وإدارة صارمة للمخاطر، أكثر من الاعتماد على الحدس أو الطمع. وكما توضح أحد الأدلة المتخصصة: التداول وقت الأخبار يحتاج إلى تنفيذ سريع، ورؤية تحليلية واضحة، وقبل كل شيء، إدارة مخاطر واعية ومدروسة.

كما توجد ثلاث استراتيجيات رئيسية للتداول أثناء الأخبار:

  • التمركز قبل صدور الخبر
  • التداول على الاختراقات
  • التداول بعد تأكيد الاتجاه

تابع قراءة المقال للتعرف على هذه الأساليب بالتفصيل.

الخلاصة:

أحداث الأخبار قد توفر فرصًا استثنائية بالفعل، ولكن فقط عند التعامل معها بمنهجية واضحة، وليس بالاعتماد على العشوائية. وبدون هذا الانضباط، تُعد من أكثر الأوقات خطورة للتداول.

 

استراتيجيات فعّالة للتداول أثناء الأخبار: متى تتصرف وكيف تتفاعل؟

 

لا يتعامل جميع المتداولين مع الأخبار بالطريقة نفسها؛ فالمتداولون الناجحون يتخذون قرارهم وفقًا لشهيتهم للمخاطر، وخبرتهم، وأسلوبهم في التداول. وفيما يلي أبرز الأساليب المعتمدة في التداول أثناء الأحداث الاقتصادية:

 

  1. التمركز قبل صدور الخبر (المضاربة المسبقة)

بعض المتداولين يحاولون توقع ردّة فعل السوق قبل الإعلان عن البيانات، ويدخلون صفقات مسبقة على أمل أن تأتي النتيجة في صالحهم. هذا الأسلوب قد يحقق أرباحًا كبيرة إذا جاءت التوقعات صحيحة، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى خسائر حادة وسريعة إذا جاء الخبر عكس التوقع، نظرًا لأن الانعكاسات تكون عنيفة. ولهذا ينصح خبراء إدارة المخاطر باستخدام أحجام عقود صغيرة وإيقافات خسارة واسعة عند اعتماد هذا النوع من الصفقات بسبب مستوى عدم اليقين المرتفع.

  1. التداول على الاختراق (ردّة الفعل الفورية)

أسلوب شائع آخر يعتمد على انتظار صدور الخبر ومراقبة الحركة الأولية، ثم الدخول مع اتجاه الزخم فور حدوث اختراق قوي، سواء كان صعودًا أو هبوطًا. هذا الأسلوب يعتمد بشكل كبير على سرعة التنفيذ ومتابعة البيانات اللحظية. لكن كما تحذر العديد من الأدلة، قد تكون الحركة الأولى مجرد إشارات خاطئة (Whipsaws) قبل أن يتضح الاتجاه الحقيقي.

  1. التداول بعد التأكيد (الانتظار والدخول الآمن)

يُعد هذا الأسلوب الأكثر أمانًا ومنهجية، وهو المفضل لدى شريحة كبيرة من المتداولين المحترفين. يقوم المتداول هنا بالانتظار حتى تهدأ التقلبات الأولى، ثم يراقب ما إذا كان السوق سيُظهر اتجاهًا واضحًا أو هيكلًا سعريًا محددًا، وبعدها يدخل وفق تأكيد واضح. فعلى سبيل المثال، إذا أصدر الاحتياطي الفيدرالي قراره الليلة الساعة 21:00 بتوقيت القاهرة، قد تكون حركة الدولار الأولية عشوائية. المتداول الذي يعتمد أسلوب التأكيد ينتظر ترسّخ الحركة، مثل تكوين قاع أعلى في حالة النبرة التيسيرية، أو قمة أدنى في حالة النبرة التشددية، ثم يدخل الصفقة.

توضح هذه الأساليب الثلاث أن التداول وقت الأخبار لا يعتمد على توقع نتيجة الإعلان فقط، بل على اختيار أسلوب التنفيذ المناسب، وفهم سلوك التقلبات السعرية، ومواءمة الاستراتيجية مع ظروف السوق.

 

إدارة المخاطر والانضباط وأفضل الممارسات عند التداول أثناء الأخبار

 

نظرًا لأن التقلبات الناتجة عن الأخبار قد تكون شديدة وغير متوقعة، تصبح إدارة المخاطر ضرورة مطلقة. وتشير العديد من منصات التعليم والتدريب في مجال التداول إلى مجموعة من القواعد الأساسية التي يلتزم بها المتداولون المحترفون بدقة.

أهم قواعد إدارة المخاطر

  • تقليل حجم العقود:

استخدم عقودًا أصغر أو خفّض الرافعة المالية أثناء صدور الأخبار، حتى تظل الخسائر المحتملة تحت السيطرة في حال حدوث تحركات مفاجئة وعنيفة.

  • توسيع نطاق وقف الخسارة أو استخدام وقف خسارة يعتمد على التقلبات:

غالبًا ما يتم تفعيل إيقافات الخسارة الضيقة بسبب ضوضاء السوق. لذلك تُعد الإيقافات الأوسع أو تلك المبنية على مؤشرات التقلب مثل ATR خيارًا أفضل لتجنّب الخروج المبكر.

  • تحديد نقاط الدخول والخروج مسبقًا وعدم الارتجال أثناء الأخبار:

التداول العاطفي خلال القفزات السعرية السريعة يعد من أكثر أسباب الخسائر شيوعًا.

  • تجنّب الإفراط في استخدام الرافعة المالية:

الرافعة المرتفعة تضاعف الأرباح والخسائر. وفي فترات الأخبار تكون الخطورة أكبر.

  • التفكير في البقاء خارج السوق أو التحوّط:

أحيانًا تكون أفضل صفقة هي عدم التداول. ويمكن أيضًا التحوّط باستخدام أصول مترابطة أو معاكسة (مثل مراكز متقابلة أو استخدام الخيارات) لتقليل المخاطر الاتجاهية.

الانضباط النفسي والتحكم العاطفي

التداول في فترات التقلبات العالية قد يثير التوتر والخوف والاندفاع. علم نفس التداول لا يقل أهمية عن التحليل الفني أو الأساسي وكما يشير خبراء التداول، فإن الالتزام بالقواعد المسبقة، وتجنب “الانتقام من السوق”، وعدم مطاردة الحركة الأولى. كلها عوامل أساسية للبقاء على المدى الطويل.

لماذا يفشل بعض المتداولين في التداول أثناء الأخبار؟

تنشأ الأخطاء غالبًا بسبب التقليل من قوة التقلب، أو المبالغة في تقدير السيولة، أو تجاهل قواعد إدارة المخاطر، أو الإصرار على خطة لم تعد مناسبة بعد تغيّر حركة السعر. في بعض الأحيان، يقوم السوق بخداع المتداولين عبر حركة أولية قوية ثم انعكاس حاد. مما يؤدي إلى خسائر لمن يدخل دون تأكيد الاتجاه.

وفي الحالات القصوى، قد تؤدي الأخبار المفاجئة إلى ما يُعرف بـ الانهيارات اللحظية (Flash Crashes). حيث تهوي الأسعار بسرعة ثم تعود للارتداد خلال دقائق. وهذه الحالات تبرز مدى هشاشة الأسواق تحت الضغط، وتفسر لماذا يفضّل العديد من المتداولين المحافظين تجنّب التداول أثناء الأخبار تمامًا.