انكماش التصنيع الأمريكي: تراجع مؤشر ISM إلى 48.2% يرفع مخاوف الركود ويهز الأسواق العالمية

انكماش التصنيع الأمريكي: تراجع مؤشر ISM إلى 48.2% يرفع مخاوف الركود ويهز الأسواق العالمية

أصدر معهد إدارة التوريد (ISM) اليوم قراءة مؤشر مديري المشتريات الصناعي لشهر نوفمبر 2025، وجاءت النتائج سلبية بوضوح، حيث تراجع المؤشر إلى 48.2% مقابل 48.7% في أكتوبر. وأي قراءة دون مستوى 50 تشير إلى انكماش، مما يجعل هذا الشهر التاسع على التوالي الذي يشهد فيه قطاع التصنيع الأميركي انكماشاً مستمراً. وجاء التراجع مدفوعاً بهبوط حاد في الطلبات الجديدة إلى 47.4%، إلى جانب استمرار انخفاض الطلبات غير المنجزة، ما يعكس ضعفاً واضحاً في الطلب. وعلى صعيد التوظيف، تراجع التوظيف في المصانع للشهر العاشر على التوالي، في إشارة إلى الحذر الشديد بين الشركات بشأن الطلب المستقبلي واستغلال الطاقة الإنتاجية.

ورغم الصورة السلبية العامة، احتوت البيانات على إشارات متباينة تزيد المشهد تعقيداً. فقد ارتفعت أسعار المدخلات، وشهد مؤشر “الأسعار المدفوعة” لدى ISM زيادة، ما يدل على استمرار الضغوط التضخمية رغم الانكماش. كما تراجعت أزمنة تسليم الموردين، وهو نمط يرتبط عادة بضعف الطلب لا بتحسن سلاسل التوريد، مما يعزز فكرة تباطؤ النشاط الاقتصادي. وبشكل عام، تُظهر البيانات قطاع تصنيع عالقاً في حالة ركود ممتدة يعاني ضعف الطلب وتراجع التوظيف، بينما تستمر الضغوط السعرية على المدخلات.

وبما أن قطاع التصنيع يشكل نحو 10% من الاقتصاد الأميركي، فإن انكماش اليوم يعزز المخاوف بشأن الزخم الاقتصادي الأوسع. ويُرجح أن يرى الاقتصاديون والمحللون هذا التقرير كإشارة تحذيرية، خاصة قبل صدور بيانات التضخم المقبلة وقرارات البنوك المركزية. كما جاءت القراءة دون توقعات العديد من المحللين الذين كانوا ينتظرون تراجعاً أكثر اعتدالاً، وهذا مهم في سياق هش، إذ يمكن أن يمتد ضعف التصنيع المتواصل ليؤثر على أرباح الشركات ونمو التوظيف وثقة المستثمرين.

 

ردّة فعل السوق: معنويات مخاطرة منخفضة تضغط على الأسهم… والدولار يرتفع

 

كانت ردة الفعل في الأسواق فورية، إذ تراجعت المؤشرات الأميركية الرئيسية مع استيعاب المستثمرين للبيانات الضعيفة. وتحولت شهية المخاطرة إلى الحذر، خاصة في القطاعات الحساسة للدورات الاقتصادية مثل الصناعات والمواد، والتي تتأثر عادة بشكل أكبر عند انكماش قطاع التصنيع. وفي الوقت نفسه، دفع الطلب على الملاذات الآمنة بالدولار الأميركي إلى الارتفاع، وهو رد فعل تقليدي عندما تخيب البيانات الاقتصادية توقعات النمو.

كما تفاعلت أسواق السندات؛ إذ ارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل مع قيام المتداولين بتعديل توقعاتهم بشأن النمو المستقبلي ومسار أسعار الفائدة. إن اجتماع تباطؤ النشاط الصناعي واستمرار ارتفاع تكاليف المدخلات يثير مخاوف من سيناريو شبيه بـ”الركود التضخمي”، وهو ما يزعزع استقرار أسواق الأسهم والدخل الثابت على حد سواء. وقد يتجه المستثمرون المؤسسون إلى إعادة توزيع محافظهم بعيداً عن الأسهم الدورية والأصول الحساسة للنمو، نحو قطاعات دفاعية أو أدوات أقل تقلباً.

أما بالنسبة لمتداولي العملات والأصول المتقاطعة، فيضيف التقرير جرعة جديدة من التقلبات للأسواق العالمية. وبما أن قطاع التصنيع يُعد محركاً رئيسياً للصادرات الأميركية وسلاسل التوريد العالمية، فإن تراجعه يدفع رؤوس الأموال للتحول نحو عملات وأسواق تُعتبر أكثر أماناً أو تمتلك توقعات نمو أفضل. وقد تشهد عملات الأسواق الناشئة والأصول المرتبطة بالسلع والأسهم غير الأميركية تدفقات جديدة، بينما قد تتسع التقلبات في أزواج العملات، خصوصاً تلك المرتبطة بمعنويات المخاطرة مثل الدولار مقابل عملات النمو.

وباختصار، يبدو أن قراءة مؤشر مديري المشتريات اليوم قد أطلقت موجة “عزوف عن المخاطرة” عبر مختلف فئات الأصول: تراجعت الأسهم، ارتفع الدولار، وبدأ المشاركون في السوق بإعادة تقييم توقعاتهم للنمو والتجارة العالمية وآفاق الاقتصاد على المدى القريب. يمكن لهذا أن يعيد تشكيل تدفقات رؤوس الأموال عالمياً، مع تأثيرات محتملة على العملات والأسهم والسلع.

 

ما الذي ينبغي على المتداولين والمستثمرين مراقبته لاحقاً؟ البيانات والسياسات وإدارة المخاطر

 

مع استمرار انكماش التصنيع لتسعة أشهر متتالية، ستكون الأسابيع القادمة حاسمة.

أولاً، ينبغي للمتداولين والمستثمرين متابعة البيانات الاقتصادية المقبلة بحثاً عن بوادر ضعف إضافي أو استقرار، بما في ذلك:

  • أرقام الإنتاج الصناعي
  • طلبات السلع المعمرة
  • مؤشرات التوظيف
  • بيانات ثقة المستهلك

تكرار ضعف البيانات الصناعية والاستهلاكية قد يعزز المخاوف من ركود ويزيد التشاؤم في الأسواق.

ثانياً، ستكون الأنظار موجهة نحو السياسة النقدية. فاستمرار ارتفاع أسعار المدخلات رغم انكماش الطلب يجعل توقعات أسعار الفائدة أكثر تعقيداً. قد يواجه الاحتياطي الفيدرالي ضغوطاً متعارضة بين دعم النمو وكبح التضخم. وأي انحراف عن التوجيهات المتوقعة قد يزيد من التقلب في أسواق السندات والعملات.

ثالثاً، تصبح إدارة المخاطر ضرورة أساسية.

بالنسبة لمستثمري الأسهم، قد يكون من الحكمة استهداف القطاعات الأقل ارتباطاً بالتصنيع مثل السلع الاستهلاكية الأساسية أو التكنولوجيا. أما المتداولون في الفوركس أو الأصول المتقاطعة، فقد يحتاجون إلى تقليل الرافعة المالية أو تعزيز التحوط لحين اتضاح الرؤية. وفي ظل تزايد عدم اليقين، يصبح تحديد أوامر وقف الخسارة وحجم الصفقات وخطط الخروج أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وأخيراً، يجب مراقبة الآثار العالمية. فضعف التصنيع الأميركي لا يحدث بمعزل عن العالم؛ انخفاض الطلب الصناعي الأميركي قد يقلل الواردات من الشركاء التجاريين، ما يؤثر على الأسواق الناشئة ومصدّري السلع. قد يسهم هذا التحوّل في إعادة توجيه تدفقات رؤوس الأموال على مستوى العالم، مما ينعكس بشكل ملحوظ على حركة العملات وأسواق الأسهم والسلع.

الخلاصة

تؤكد قراءة مؤشر ISM للتصنيع اليوم أن النشاط الصناعي الأميركي لا يزال تحت ضغط هبوطي، مواصلاً انكماشاً امتد لعدة أرباع. ردة فعل السوق جاءت واضحة: هبوط الأسهم، ارتفاع الدولار، وزيادة إعادة التقييم للتوقعات الاقتصادية والسياسات النقدية.

وبالنسبة للمتداولين والمستثمرين، سواء في الأسهم أو العملات، فإن الحذر، والانضباط في إدارة المخاطر، والمتابعة الدقيقة للبيانات القادمة ستكون عوامل أساسية للتعامل مع التقلبات المتوقعة في الفترة المقبلة.