ارتفاع غير متوقع في فرص العمل إلى 7.67 مليون في أكتوبر
أصدر مكتب إحصاءات العمل الأميركي (BLS) اليوم أحدث تقرير JOLTS، والذي جاء مفاجئًا للأسواق: فقد ارتفع عدد الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة إلى 7.670 مليون خلال أكتوبر، بزيادة 12 ألف وظيفة عن قراءة سبتمبر المعدّلة البالغة 7.658 مليون. وتجاوزت هذه الأرقام توقعات الاقتصاديين الذين رجّحوا أن تصل الوظائف الشاغرة إلى نحو 7.15 مليون فقط. مما يشير بوضوح إلى أن الطلب على العمالة ما يزال أقوى مما كان يُعتقد.
هذا الارتفاع يعكس انعكاسًا للضعف التدريجي الذي ظهر خلال الأشهر الماضية. صحيح أن عدد الوظائف الشاغرة تراجع كثيرًا عن ذروته خلال فترة الجائحة، إلا أن ارتفاع اليوم يوحي بأن العديد من أصحاب الأعمال ما زالوا يبحثون عن موظفين رغم التحديات الاقتصادية ومؤشرات تباطؤ النمو.
لكن المثير للاهتمام، وربما القلق، هو أن التوظيف لم يرتفع بنفس الوتيرة. التقرير يُظهر انخفاضًا ملحوظًا في عمليات التوظيف، ما يعكس فجوة متزايدة بين عدد الوظائف التي تقول الشركات إنها تحتاج لملئها، وبين عدد الأشخاص الذين يتم توظيفهم فعليًا. بعض الاقتصاديين وصفوا هذا الوضع بأنه حالة “شلل في سوق العمل”: الشركات تنشر إعلانات وظائف. لكنها مترددة في التوظيف، ربما بسبب عدم اليقين حول الطلب، أو تكاليف الأجور، أو مسار أسعار الفائدة.
هذا التباعد بين الوظائف الشاغرة وحجم التوظيف يطرح تساؤلات جديدة حول جودة الطلب على العمالة في الاقتصاد الأميركي، ومدى استعداد الشركات لزيادة التوظيف فعلًا. بالنسبة للأسواق، فإن هذا المزيج الغامض، وظائف شاغرة قوية مقابل توظيف ضعيف، يجعل التوقعات المتعلقة بإنفاق المستهلكين ونمو الأجور والزخم الاقتصادي أكثر تعقيدًا.
باختصار، يعطي تقرير JOLTS اليوم صورة مركّبة: الطلب على العمالة ما زال قائمًا، لكن التوظيف يتباطأ. بالنسبة للمتداولين والمستثمرين، قد يمهّد ذلك لفترة مليئة بالفرص ولكن أيضًا بالتقلبات، بانتظار بيانات أوضح وقرارات حاسمة من البنوك المركزية. وما إذا كانت هذه مجرد تهدئة مؤقتة أم بداية لضعف أكبر في سوق العمل، فهذا ما ستكشفه البيانات القادمة.
ما الذي تخبرنا به بيانات JOLTS عن الاقتصاد؟ وما تأثيرها على الفيدرالي والأسواق؟
يشير ارتفاع عدد الوظائف الشاغرة إلى أن أصحاب العمل لا يزالون يؤمنون بإمكانات النمو أو يسعون إلى إعادة بناء قدراتهم التشغيلية، إلا أن ضعف بيانات التوظيف يُضعف الثقة في هذا التفاؤل. ويأتي هذا المزيج المتضارب في وقت حرج. حيث يستعد الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قراره القادم بشأن أسعار الفائدة. بينما يحاول المستثمرون تقييم كيفية استجابة البنك المركزي لهذه التطورات.
عادةً ما يعني ارتفاع الوظائف الشاغرة أن سوق العمل ضيق. مما قد يدفع الأجور إلى الارتفاع ويُعزز إنفاق المستهلكين، وهي عوامل إيجابية للنمو الاقتصادي. لكن مع تباطؤ التوظيف، تصبح الإشارات أقل وضوحاً؛ فقد يعكس ذلك تردد الشركات في الالتزام بالتعيينات، أو تقليص الميزانيات، أو تأجيل قرارات التوظيف حتى تتضح الصورة الاقتصادية. بالنسبة للفيدرالي، هذه الديناميكيات مهمة: ارتفاع الوظائف الشاغرة قد يشير إلى مخاطر تضخم الأجور، ما قد يعارض خفض أسعار الفائدة. بينما ضعف التوظيف قد يدعم التوقعات بتيسير السياسة لدعم النشاط الاقتصادي.
من منظور السوق، أثّر تقرير JOLTS بالفعل في معنويات المستثمرين. فقد تراجعت عوائد السندات بينما قيّم المتداولون احتمال أن يؤدي ضعف التوظيف إلى تخفيف الضغوط التضخمية، ما قد يمهّد لتحول أكثر ميلاً للتيسير من جانب الفيدرالي. كما سجّلت الأسهم. خاصة في القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة وقطاعات النمو، مكاسب محدودة مع إعادة تموضع المستثمرين تحسباً لبيئة نقدية أسهل. وفي المقابل، تنظر الأسواق بحذر إلى القطاعات المعتمدة على قوة التوظيف، مثل السلع الاستهلاكية الأساسية، التجزئة، والسلع الكمالية. حتى تظهر دلائل أوضح على تحسن التوظيف.
ويشير محللون أيضاً إلى أن الفجوة المتزايدة بين الوظائف الشاغرة والتعيينات قد تعكس تحولات هيكلية في سوق العمل: مثل فجوات المهارات، وارتفاع توقعات الأجور، أو تجميد التوظيف في بعض الصناعات. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يؤدي إلى سوق عمل من طبقتين، تستمر فيه الوظائف ذات المهارات العالية في الازدياد. بينما يتراجع التوظيف في الوظائف الأقل مهارة أو المبتدئة، وهو سيناريو قد يُضعف الاستهلاك الإجمالي ويحد من النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
ما الذي يجب على المتداولين وصنّاع السياسات مراقبته؟
يُعد تقرير JOLTS مجرد لقطة واحدة للسوق، لكن الإشارات المتضاربة التي يحملها تجعل البيانات المقبلة والتحركات السياسية المرتقبة شديدة الأهمية للأسواق. فيما يلي أبرز المحركات التي يجب متابعتها خلال الأسابيع القادمة:
- بيانات التوظيف والبطالة القادمة
ستساعد الإصدارات الرئيسية المقبلة، بما في ذلك تقرير الوظائف غير الزراعية وطلبات إعانة البطالة، في توضيح ما إذا كان ضعف التوظيف حالة مؤقتة أم بداية لاتجاه أوسع. فإذا انتعشت الوظائف بقوة، فقد ترى الأسواق ضعف التوظيف الحالي أمراً عابراً. أما إذا جاءت البيانات ضعيفة مرة أخرى، فقد تتراجع الثقة بشكل أكبر.
- بيانات الأجور والتضخم
مع ارتفاع الوظائف الشاغرة وتراجع وتيرة التوظيف، قد يتعرض تضخم الأجور لضغوط هبوطية، ما يخفف أحد عناصر مخاطر التضخم. على المتداولين مراقبة بيانات نمو الأجور، وإنفاق المستهلكين، ومؤشرات الأسعار لمعرفة ما إذا كان ضعف التوظيف سينعكس على ضغوط الأجور، الأمر الذي قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض الفائدة.
- تواصل الفيدرالي وقرار الفائدة
أضاف تقرير JOLTS مزيداً من الغموض لسردية البنك المركزي. فإذا اتخذ الفيدرالي نبرة حماسية مستشهداً بضعف التوظيف ووجود فائض في سوق العمل، فقد تشهد السندات والأصول عالية المخاطر ارتفاعاً. أما إذا رأى البنك في استمرار ارتفاع الوظائف الشاغرة تهديداً بتضخم الأجور، فقد يؤجل خفض أسعار الفائدة. نبرة تصريحات الفيدرالي وملخص الاجتماعات ستكون محركاً للسوق أكثر من البيانات نفسها.
- الأسهم وتدوير القطاعات
نظراً لتباين إشارات سوق العمل، قد يتجه المتداولون نحو القطاعات الأقل اعتماداً على التوظيف الواسع، مثل التكنولوجيا، أسهم النمو، والأسهم ذات العوائد التوزيعية. بينما يتجنبون القطاعات المرتبطة مباشرة بإنفاق المستهلكين إلى أن تعود قوة التوظيف والأجور. مراقبة تدفقات الأموال، تحركات الصناديق، وتوقعات الأرباح ستكون أمراً بالغ الأهمية.
- اختبارات ضغط الدولار والسندات
إذا تراجعت شهية المخاطرة، قد يرتفع الدولار كملاذ آمن. كما ستتفاعل عوائد السندات ومنحنيات العائد مع تغير التوقعات الخاصة بالنمو، التضخم، وسياسة الفيدرالي.