مفاجأة في بيانات الوظائف غير الزراعية الأمريكية مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6%

مفاجأة في بيانات الوظائف غير الزراعية الأمريكية مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6%

الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة تشير إلى هشاشة سوق العمل مع صعود البطالة إلى أعلى مستوى في أربع سنوات

قدّم أحدث تقرير التغير في الوظائف غير الزراعية بالولايات المتحدة صورة مختلطة ومتزايدة الهشاشة لسوق العمل الأمريكي، ما يعزّز المخاوف من فقدان زخم نمو التوظيف في الوقت الذي يواصل فيه معدل البطالة الارتفاع. ووفقًا لبيانات صادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS)، ارتفعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 64 ألف وظيفة في نوفمبر بعد التعديل الموسمي. متجاوزة بشكل طفيف توقعات داو جونز البالغة 45 ألف وظيفة، ومتعافية من تراجع حاد بلغ 105 آلاف وظيفة في أكتوبر. ورغم أن الزيادة الرئيسية في الوظائف جاءت أفضل قليلًا من المتوقع، فإن التفاصيل الأوسع للتقرير تؤكد أن سوق العمل يواجه صعوبة في تحقيق نمو مستدام، تحت ضغط عوامل هيكلية واختلالات قطاعية وتأثيرات متبقية ناتجة عن اضطرابات الإغلاق الحكومي.

ارتفع معدل البطالة إلى 4.6%، وهو أعلى من التوقعات وأعلى مستوى منذ سبتمبر 2021. والأكثر إثارة للقلق لدى صانعي السياسات والمستثمرين هو الارتفاع الحاد في المقياس الأوسع لضعف استغلال العمالة، المعروف بمعدل U-6. والذي يشمل العمال المُحبطين والعاملين بدوام جزئي لأسباب اقتصادية، إلى 8.7%. وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2021. وتشير هذه الأرقام إلى أنه رغم عدم تسارع خسائر الوظائف بشكل حاد حتى الآن، فإن فجوة الركود في سوق العمل تتسع تحت السطح. وقد صدر التقرير متأخرًا بسبب الإغلاق الحكومي الأخير، الذي عطّل جمع البيانات وزاد من تعقيد تفسير اتجاهات سوق العمل قصيرة الأجل.

ويُظهر التفصيل القطاعي أن خلق الوظائف لا يزال محدودًا ومتركزًا، وهو نمط استمر طوال معظم العام الماضي. فمن أصل 64 ألف وظيفة أُضيفت في نوفمبر، استحوذ قطاع الرعاية الصحية على 46 ألف وظيفة، أي أكثر من 70% من صافي الزيادة الإجمالية. ويعكس هذا الاعتماد المستمر على التوظيف في الرعاية الصحية اتجاهات ديموغرافية طويلة الأجل، ولا سيما شيخوخة السكان في الولايات المتحدة، أكثر مما يعكس قوة اقتصادية دورية.

ارتفاع البطالة مع تحسّن المشاركة في سوق العمل

على الرغم من ارتفاع معدل البطالة، يشير التقرير إلى أن هذه الزيادة لم تكن ناتجة عن موجة تسريحات جماعية، بل جاءت نتيجة نمو حجم القوى العاملة. فخلال الشهرين الماضيين، ارتفع التوظيف وفق مسح الأسر بمقدار 407 آلاف وظيفة. إلا أن ذلك تزامن مع زيادة قدرها 323 ألف شخص في القوى العاملة، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة. كما ارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة بشكل طفيف إلى 62.5%، في إشارة إلى أن عددًا أكبر من الأمريكيين عادوا إلى سوق العمل أو بدأوا في البحث النشط عن وظائف.

تدعم هذه الديناميكية الرأي القائل إن سوق العمل الأمريكي ينتقل إلى مرحلة انخفاض التوظيف وانخفاض التسريح بدلًا من دخول حالة تراجع حاد. ومع ذلك، فإن القيود الهيكلية، مثل تراجع تدفقات الهجرة بسبب تشديد سياسات الحدود، تحدّ من نمو المعروض من العمالة وتزيد من تعقيد عملية التوازن. ويحذّر الاقتصاديون من أنه في غياب نمو أقوى للتوظيف في القطاع الخاص خارج قطاع الرعاية الصحية. قد يظل سوق العمل عالقًا في فترة مطوّلة من ضعف الزخم.

وتعزز بيانات نمو الأجور الرأي القائل بأن الضغوط التضخمية الناتجة عن سوق العمل آخذة في التراجع. فقد ارتفع متوسط الأجور في الساعة بنسبة 0.1% فقط في نوفمبر، وهو أقل من التوقعات البالغة 0.3%. فيما بلغ الارتفاع السنوي 3.5%، وهو أدنى معدل نمو سنوي منذ مايو 2021. ويتماشى هذا التباطؤ في نمو الأجور مع تقييم الاحتياطي الفيدرالي بأن سوق العمل لم يعد مصدرًا رئيسيًا للضغوط التضخمية.

وتزيد بيانات التوظيف لشهر أكتوبر من تعقيد المشهد. إذ نشر مكتب إحصاءات العمل تقديرًا مختصرًا يُظهر تراجع الوظائف غير الزراعية بمقدار 105 آلاف وظيفة في أكتوبر. ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى الانخفاض الحاد في التوظيف الحكومي. فقد تراجعت وظائف القطاع الحكومي بنحو 162 ألف وظيفة في أكتوبر مع بدء تنفيذ تسريحات مؤجلة مرتبطة بقرارات موازنة سابقة. كما انخفضت بنحو 6 آلاف وظيفة إضافية في نوفمبر.

آفاق سياسة الاحتياطي الفيدرالي: حذر لا استعجال

من منظور السياسة النقدية، يعزز هذا التقرير النهج الحذر الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي. فقد قام البنك المركزي مؤخرًا بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مسجّلًا ثالث خفض متتالٍ منذ سبتمبر. ليصل النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 3.50% – 3.75%. ومع ذلك، أشار مسؤولو الفيدرالي إلى أن متطلبات تنفيذ خفض إضافي أصبحت أعلى. لا سيما في ظل استمرار بعض المخاوف المرتبطة بالتضخم.

ويبدو أن المشاركين في الأسواق يتبنون الرؤية نفسها. إذ بلغت احتمالات خفض آخر للفائدة في اجتماع يناير نحو 24.4%، دون تغيير يُذكر عقب صدور تقرير الوظائف. ويشير المحللون إلى أن الاضطرابات في البيانات الناتجة عن إغلاق الحكومة تقلل من موثوقية أرقام سوق العمل الأخيرة. ما يجعل صانعي السياسات أقل ميلًا لاتخاذ قرارات حادة استنادًا إلى تقرير واحد فقط. وكما أوضحت كاي هايغ من غولدمان ساكس لإدارة الأصول، فإن تقرير التوظيف لشهر ديسمبر، والمقرر صدوره مطلع يناير، سيكون على الأرجح أكثر تأثيرًا في توجيه قرارات السياسة النقدية على المدى القريب.

ردة فعل الأسواق: ارتفاع السندات، تراجع الدولار، وتباين أداء الأسهم

تفاعلت الأسواق المالية بحذر مع البيانات. فقد تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بشكل طفيف، ولا سيما على الأجل القصير. حيث فسر المتداولون مزيج ضعف نمو الوظائف وتباطؤ الأجور على أنه يدعم توجهًا أكثر تيسيرًا للسياسة النقدية. في المقابل، انخفض الدولار الأمريكي بشكل محدود، مع تراجع توقعات رفع الفائدة على المدى القريب وتقلص ميزة العائد.

أما أسواق الأسهم فقد سجلت أداءً متباينًا؛ إذ حظيت القطاعات الدفاعية، وعلى رأسها الرعاية الصحية، بدعم نسبي. في حين تراجعت الأسهم الدورية وتلك المرتبطة بإنفاق المستهلكين وسط مخاوف من تباطؤ الطلب. وبدا المستثمرون مترددين في تبني مراكز عالية المخاطر في انتظار إشارات أوضح من بيانات التضخم والتوظيف المقبلة. وبشكل عام، تشير الخلاصة الأوسع للأسواق إلى أن سوق العمل الأمريكي لم يعد في حالة سخونة مفرطة.