نتائج الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الأولي للربع السنوي وتوقعات الأسواق
أصدر مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي (BEA) اليوم تقرير الناتج المحلي الإجمالي الأولي (Prelim GDP) للربع الثالث من عام 2025، مقدّمًا صورة أوضح عن وتيرة النمو الاقتصادي وتركيبته مع اقتراب نهاية العام. وبعد التأخيرات التي سببها الإغلاق الحكومي الفيدرالي، أكد التقدير الأولي أن الاقتصاد الأمريكي توسّع بمعدل سنوي 4.3% خلال الربع الثالث. هذا الأداء تجاوز توقعات العديد من المحللين وسجّل أسرع وتيرة نمو خلال عامين، ما يتحدى الروايات السائدة حول تباطؤ مرحلة ما بعد الجائحة ويعيد تركيز الأسواق على توقعات أسعار الفائدة وتموضع الأصول عالية المخاطر.
وجاءت قراءة النمو القوية مفاجِئة لبعض المتداولين في ظل المخاوف المستمرة بشأن التضخم، ومرونة سوق العمل، وتحديات السياسة التجارية. وفي هذا التقدير الأولي، الذي حلّ عمليًا محل تقديري “المتقدم” و“الثاني” اللذين أُلغيا بسبب تأخر البيانات، أظهر الاقتصاد مرونة مدفوعة بقوة إنفاق المستهلكين، وارتفاع الصادرات، وزيادة الإنفاق الحكومي. في المقابل، شهد الاستثمار الخاص بعض الضعف، ما يثير نقاشًا حول استدامة النمو إذا ما تراجعت عوامل الدعم الخارجية.
تكتسب هذه البيانات أهمية كبيرة للمحللين والمتداولين لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي يُعد مؤشرًا أساسيًا للصحة الاقتصادية، ويغذي نماذج استراتيجيات الدخل الثابت والأسهم والعملات. ويؤثر مباشرة في توقعات سياسة الاحتياطي الفيدرالي وتدفقات رأس المال وشهية المخاطر عبر الأسواق. فيما يلي تفصيل لأبرز دلالات الرقم الرئيسي، ومحركاته، ورد فعل الأسواق، وما الذي ينبغي مراقبته لاحقًا.
نظرة أعمق على نتائج الناتج المحلي الإجمالي (Prelim GDP) اليوم
أظهر التقدير الأولي لمكتب BEA أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ارتفع بمعدل سنوي 4.3% في الربع الثالث من 2025، مقارنة بـ 3.8% في الربع الثاني. ويُعد هذا التسارع ملحوظًا من حيث اتساعه. ووفقًا للبيانات، كان أبرز المساهمين في النمو:
إنفاق المستهلكين: لا يزال المحرك الأساسي للاقتصاد الأمريكي، مع مكاسب قوية في استهلاك السلع والخدمات، خصوصًا خدمات الرعاية الصحية، والسلع الترفيهية، والسفر الدولي.
الصادرات: سجّلت زيادات كبيرة، مع ارتفاع الطلب الخارجي على السلع والخدمات الأمريكية، ما عزّز الدخل المحلي ورفع إجمالي الإنتاج.
الإنفاق الحكومي: على المستويين الفيدرالي والولائي، ولا سيما الإنفاق الدفاعي ونشاط الولايات والمحليات.
الواردات: التي تُخصم من الناتج المحلي الإجمالي، تراجعت بوتيرة أقل مقارنة بفصول سابقة، ما دعم القراءة الرئيسية بشكل طفيف.
في المقابل، سُجّل تراجع معتدل في استثمارات المخزون الخاص، ما يعكس انخفاضًا في مخزونات الشركات. ورغم تقلب هذا المكوّن من فصل لآخر، فقد عُوِّض جزئيًا بقوة الطلب الاستهلاكي والحكومي.
تفاعل الأسواق: دعم للأصول عالية المخاطر
خلال دقائق من صدور التقرير، أظهرت الأسواق المالية سلوكًا إيجابيًا محسوبًا نحو المخاطرة. وارتفعت مؤشرات الأسهم الرئيسية بشكل طفيف، مع قيادة أسهم التكنولوجيا والقطاعات الدورية للمكاسب. حيث عزز نمو الربع الثالث القوي الرأي القائل بإمكانية صمود أرباح الشركات في العام المقبل.
كما تفاعلت عقود الأسهم الآجلة إيجابيًا، خصوصًا في القطاعات المرتبطة باستهلاك المستهلكين والإنتاج الصناعي. وفسّر المتداولون البيانات على أنها داعمة لتقديرات الأرباح المستقبلية. لا سيما لشركات السلع الاستهلاكية الأولية والمصدّرين.
في سوق الدخل الثابت، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بشكل طفيف مع قوة بيانات النمو، ما يقلّص احتمالات خفض أسعار الفائدة على المدى القريب. وقفز عائد السندات لأجل 10 سنوات، وهو مقياس شائع لتوازن توقعات النمو والتضخم، ارتفاعًا محدودًا مع إعادة تسعير توقعات سياسة الفيدرالي.
أما الدولار الأمريكي فقد تلقى دعمًا وارتفع مقابل العملات الرئيسية، عاكسًا تحسن آفاق النمو مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، في ظل موازنة الأسواق بين توقعات الفائدة واتجاهات التضخم والنمو العالمي.
دلالات التقرير على سياسة الاحتياطي الفيدرالي
أبرز ما يلفت الانتباه في تقرير اليوم هو انعكاساته على السياسة النقدية. فمعدل نمو سنوي 4.3% يتعارض مع فكرة التباطؤ واسع النطاق. ويشير إلى احتفاظ الاقتصاد بزخم معتبر رغم تشديد الأوضاع المالية وتباطؤ سوق العمل.
كان الاحتياطي الفيدرالي يسير على خط دقيق بين احتواء التضخم ودعم التوظيف. وقد كانت الأسواق تميل إلى تسعير خفض للفائدة في أوائل 2026 مدفوعة بقراءات تضخم أكثر ليونة وتذبذب التوظيف. إلا أن قوة الناتج المحلي الإجمالي اليوم تُضعف حجة التيسير القريب، وتدعم احتمال تأجيل أي خفض حتى تظهر إشارات أوضح على تراجع التضخم.
وبالفعل، انعكس ذلك في تسعير العقود الآجلة للفائدة. حيث تراجعت احتمالات الخفض القريب، في إشارة إلى أن الفيدرالي قد يُبقي السياسة متشددة لفترة أطول.
السياق الأوسع: كيف ينسجم الربع الثالث مع الصورة الاقتصادية العامة
ينبغي قراءة نتائج اليوم ضمن سياقها الأوسع. فقد أدت اضطرابات البيانات بسبب الإغلاق الحكومي إلى فجوات في الإصدارات الاقتصادية هذا العام، ما حدّ من وضوح مسار النمو. وعليه، فإن قوة الربع الثالث ليست رقمًا معزولًا، بل جزء من سردية أوسع شهدت عدم انتظام في تدفق البيانات.
في فصول سابقة، شهدت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي مراجعات ملحوظة مع إدراج بيانات أكثر تفصيلًا. ويشير التقدير الأولي الحالي إلى تسارع إيجابي، لكن المراجعات المقبلة، بما فيها التحديث المقرر في يناير، ستوفر رؤية أدق للاتجاه.
ورغم قوة النمو، لا يزال التضخم أعلى من هدف الفيدرالي، وتظهر مؤشرات سوق العمل بعض الليونة. هذه الإشارات المختلطة تؤكد أن الاقتصاد ليس في حالة تعثر، لكنه أيضًا لا ينمو بوتيرة متجانسة. لذا، ينبغي للمتداولين دمج عدة مؤشرات قبل بناء مراكزهم، وعدم الاكتفاء بالعناوين الرئيسية.
نظرة مستقبلية: ما الذي يجب مراقبته
خلال الفترة المقبلة، ستتجه الأنظار إلى تحديث الناتج المحلي الإجمالي في يناير، ومؤشرات الاستهلاك الشخصي، وبيانات سوق العمل لتحديد ملامح الاقتصاد مع دخول 2026. كما ستبقى مقاييس التضخم، مثل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (Core PCE) ، واتجاهات إنفاق المستهلكين وتسعير المنتجين، عوامل حاسمة في تشكيل توقعات السياسة النقدية وتدفقات الأسواق.
في الوقت الراهن، تمثل بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأولية اليوم إشارة قوية وغير متوقعة على متانة الاقتصاد، ذات تأثيرات واسعة على الأسواق وتوقعات السياسة وتموضع المتداولين. وكالعادة، يبقى الانضباط في التنفيذ وإدارة المخاطر التكيفية عنصرين أساسيين للتعامل مع تقاطعات الأخبار الكلية والأسواق المالية.