انخفاض مطالبات البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في عامين

انخفاض مطالبات البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في عامين

مطالبات البطالة تهبط إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين، ما يشير إلى قوة متجددة في سوق العمل

 

قدّم سوق العمل الأمريكي مفاجأة قوية اليوم بعد أن أعلن وزارة العمل الأمريكية أن طلبات إعانات البطالة الأولية انخفضت إلى 191 ألف طلب خلال الأسبوع المنتهي في 29 نوفمبر، وهو تراجع حاد بمقدار 27 ألف طلب مقارنة بالمستوى المعدل للأسبوع السابق البالغ 218 ألفًا. ويمثل هذا الرقم أدنى مستوى لطلبات الإعانة منذ 24 سبتمبر 2022، حين سجلت 189 ألف طلب، كما أنه جاء أقل بكثير من توقعات الاقتصاديين الذين رجّحوا انخفاضًا طفيفًا فقط.

كما تراجع متوسط الأربعة أسابيع، الذي يعد مؤشرًا أكثر استقرارًا لاتجاهات السوق، بشكل ملحوظ إلى 214,750، منخفضًا بمقدار 9,500 عن الأسبوع الماضي. وأظهرت الطلبات المستمرة استقرارًا مشابهًا، حيث بلغ عدد المستفيدين من إعانات البطالة 1.939 مليون، بانخفاض 4,000 عن الأرقام المعدلة للأسبوع السابق. ومن الجدير بالذكر أن معدل البطالة المؤمن عليها بقي دون تغيير عند 1.3%. مما يشير إلى استمرار ضيق سوق العمل رغم التحديات الاقتصادية الأوسع.

وأكّدت البيانات غير المعدلة موسميًا قوة تقرير اليوم؛ إذ بلغ عدد الطلبات الفعلية 197,221. ما يمثل تراجعًا أسبوعيًا حادًا بنسبة 20%، وهو أكبر بكثير من الانخفاض الموسمي المتوقع البالغ 8.6%. مقارنة بالأسبوع نفسه من عام 2024، لا تزال كل من الطلبات الأولية والمستمرة أقل. مما يبرز مرونة أوضاع التوظيف الأمريكية مع دخول آخر شهر من العام. كما أظهرت التفاصيل الإضافية تراجعًا في طلبات الموظفين المدنيين الفيدراليين وتباينًا في طلبات قدامى المحاربين المسرّحين حديثًا، ما يعكس تحركات وظيفية خاصة ببعض الفئات الديموغرافية.

أما الولايات التي سجلت أعلى معدلات بطالة مؤمنة فكانت: نيوجيرسي، واشنطن، وكاليفورنيا. بينما جاءت أكبر الزيادات الأسبوعية في الطلبات من ولايات: كاليفورنيا، إلينوي، وبنسلفانيا.

بشكل عام، يُظهر تقرير إعانات البطالة الصادر اليوم أن سوق العمل الأمريكي لا يزال قويًا بشكل لافت رغم ضغوط التضخم المستمرة، والسياسة النقدية المتشددة، وتراجع الطلب الاستهلاكي. هذا الواقع يعقّد توقعات قرارات الاحتياطي الفيدرالي القادمة، إذ إن متانة سوق العمل قد تؤخر خفض أسعار الفائدة المتوقع.

 

فهم ديناميكيات سوق العمل وراء هذا الانخفاض: الأنماط الموسمية، الاتجاهات حسب الولايات، والإشارات الاقتصادية

 

في حين يشير الانخفاض الحاد في طلبات إعانات البطالة إلى عودة قوة سوق العمل الأمريكي، تكشف التفاصيل الدقيقة صورة أكثر تعقيدًا تتأثر بالتقلبات الموسمية. والظروف الاقتصادية على مستوى الولايات، والتحولات في التوظيف بين القطاعات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يعكس تراجع الطلبات الأولية غير المعدلة بنسبة 20% أسبوعيًا ليس فقط استقرارًا حقيقيًا في التوظيف. بل أيضًا تقلبات موسمية معتادة. إذ يشهد أواخر نوفمبر تغيّرات في الطلب على العمالة بسبب التوظيف بقطاع التجزئة، والعمالة المؤقتة، وتعديلات القوى العاملة مع نهاية العام. ومع ذلك، فإن حجم التراجع المسجّل اليوم تجاوز بكثير المعدلات الموسمية التاريخية. مما يشير إلى أن أصحاب الأعمال، خصوصًا في قطاع الخدمات، لا يزالون مترددين في تسريح العمال وسط استمرار مخاوف نقص العمالة وتحديات الاحتفاظ بالموظفين.

 

وتقدّم البيانات الخاصة بالولايات رؤى إضافية حول التفاوتات الاقتصادية داخل البلاد. إذ سجلت ولاية كاليفورنيا أكبر زيادة أسبوعية في الطلبات (+7,897). مما يشير إلى ضغوط محتملة في قطاعات مثل التكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، والترفيه، وهي قطاعات تتفاعل بسرعة مع تغيّر الطلب. وفي المقابل، تشير الانخفاضات المسجّلة في كنتاكي ونيوجيرسي وكانساس إلى تحسّن الأوضاع في مراكز التصنيع والتوزيع. كما أن استقرار معدل البطالة المؤمن عليها عند 1.3% يواصل الإشارة إلى سوق عمل يعمل بالقرب من مستوى التوظيف الكامل. بما يتماشى مع تعليقات خبراء العمل الذين يؤكدون أن الشركات ما زالت متمسكة بموظفيها رغم بقاء أسعار الفائدة مرتفعة.

وتوفر البيانات الأخيرة من تقرير ADP، و إحصاءات JOLTS، واستطلاعات القطاع الخاص سياقًا أوسع لتقرير اليوم. إذ لا تزال فرص العمل مرتفعة، واستقرّت معدلات الاستقالة الطوعية. بينما يواصل نمو الأجور الاعتدال. وتُشير هذه العوامل مجتمعة إلى أن سوق العمل يبرد تدريجيًا لكنه لا يتدهور. ويرى العديد من المحللين أن هذا الاعتدال هو بالضبط ما يسعى إليه الاحتياطي الفيدرالي: خفض التضخم الأجري دون حدوث قفزة في البطالة. وتدعم بيانات مطالبات البطالة الصادرة اليوم هذا الاتجاه. مما يعزز الرأي القائل بأن سوق العمل الأمريكي ينتقل نحو التوازن وليس الضعف.

 

تأثير البيانات على الأسواق: ما الذي تعنيه هذه الأرقام للفيدرالي والمتداولين والاقتصاد؟

 

تفاعلت الأسواق المالية مباشرة مع تقرير مطالبات البطالة الصادر اليوم. إذ ساعدت البيانات القوية المفاجئة على استقرار العقود الآجلة للأسهم ورفعت الدولار الأمريكي بشكل طفيف. وبالنسبة للمتداولين، فإن قراءة 191 ألف طلب تحمل دلالات مهمة: قوة سوق العمل تقلل من حاجة الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة مبكرًا، ما يدفع توقعات التيسير النقدي إلى منتصف عام 2026. كما ارتفعت عوائد السندات في البداية عقب صدور البيانات. مما يعكس تراجع مخاوف الركود وإعادة تسعير احتمالات خفض الفائدة. وعادة ما يدعم سوق العمل القوي الإنفاق الاستهلاكي، ويعزز أرباح الشركات. ويقلل مخاطر الهبوط الحاد، وهي عوامل قد يفسرها مستثمرو الأسهم بأنها إشارة إيجابية.

ومع ذلك، فإن القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة مثل التكنولوجيا، والعقارات، والمرافق قد تواجه حالة من عدم اليقين من جديد بعد هذا التقرير. فإذا رأى الفيدرالي في انخفاض المطالبات دليلاً على استمرار متانة الاقتصاد. فقد يتبنى موقفًا أكثر حذرًا ويبقي أسعار الفائدة مرتفعة لمدة أطول مما كان متوقعًا. وهذا قد يحد من أداء أسهم النمو المضاربية على المدى القصير. بينما يدعم قطاعات الماليات والصناعات والسلع الاستهلاكية غير الأساسية التي تستفيد من استقرار الاقتصاد.

كما يجب على المتداولين مراقبة تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) المرتقب صدوره غدًا، والذي سيقدم صورة أشمل عن وضع سوق العمل. فبيانات NFP قوية مع المطالبات المنخفضة اليوم قد تدفع إلى تحول قوي نحو الأسهم الدورية وترفع عوائد السندات. أما إذا جاءت بيانات التوظيف أضعف من المتوقع، فقد تتسبب في تقلبات نظرًا لتعارضها مع بيانات المطالبات الإيجابية اليوم.

ومن منظور اقتصادي أوسع، فإن استمرار انخفاض مطالبات البطالة يعزز الرأي القائل بأن الاقتصاد الأمريكي ما زال متماسكًا رغم السياسة النقدية المتشددة. وهذا يقلل من مخاطر الركود في بداية 2026 ويدعم توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي. بينما قد يساعد اعتدال نمو الأجور على تخفيف ضغوط التضخم. وبالنسبة للمستثمرين وصنّاع السياسات، يمثل تقرير اليوم لقطة حاسمة لسوق عمل يواصل التفوق على التوقعات بينما يتجه تدريجيًا نحو التوازن.