ارتفاع مطالبات البطالة الأمريكية: تحولات في الأسواق وصعود قوي للذهب

ارتفاع مطالبات البطالة الأمريكية: تحولات في الأسواق وصعود قوي للذهب

قفزة مفاجئة في مطالبات إعانة البطالة تشير إلى تباطؤ سريع في سوق العمل

 

شهد سوق العمل الأمريكي مفاجأة لافتة اليوم بعد أن قفزت طلبات إعانة البطالة بشكل غير متوقع. مما يشير إلى تحول واضح في الزخم الاقتصادي مع اقتراب نهاية العام. ووفقاً للبيانات الصادرة للأسبوع المنتهي في 6 ديسمبر، ارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولى المعدّلة موسمياً إلى 236 ألف طلب، بزيادة قدرها 44 ألفاً عن القراءة المعدّلة للأسبوع السابق عند 192 ألفاً. ويُعد هذا الارتفاع واحداً من أكبر الزيادات الأسبوعية خلال 2025. كما أنه يتجاوز بكثير ما تشير إليه الأنماط الموسمية المعتادة، في إشارة إلى أن وتيرة تسريح العمالة تتسارع بشكل يفوق توقعات الأسواق. ما يعيد تشكيل توقعات المتداولين بشأن مرونة الاقتصاد ومسار السياسة النقدية مطلع 2026.

كما ارتفع متوسط الأربعة أسابيع، وهو مؤشر أكثر استقراراً لظروف سوق العمل، إلى 216,750 طلباً. في تأكيد على أن التباطؤ ليس مجرد حركة عابرة. وفي المقابل، تراجع عدد المطالبين المستمرين بالإعانة إلى 1,838,000، بانخفاض قدره 99 ألفاً عن الأسبوع السابق. ورغم هذا الانخفاض، يحذر المحللون من أن بيانات المطالبات المستمرة غالباً ما تتأخر في الالتقاط. إذ إن ارتفاع المطالبات الأولى عادةً ما يسبق فترات الضعف الممتد في بيانات المطالبات المستمرة. كما تراجع معدل البطالة المؤمن عليها بشكل طفيف إلى 1.2%. وهو مستوى يُظهر تقلبات معتادة ولا يشير بعد إلى استقرار واضح.

أما البيانات غير المعدّلة موسمياً فتعكس صورة أكثر حدة: فقد تقدم 313,140 شخصاً بطلبات إعانة، بزيادة أسبوعية بلغت 114,967 طلباً أو 58%، وهي نسبة تفوق بكثير التوقعات الموسمية البالغة 56,785 طلباً. وتبرز هذه القفزة أن التراجع في سوق العمل حقيقي وليس نتاجاً لعوامل إحصائية. ومع تسجيل عدة ولايات زيادات ملحوظة في الطلبات، مثل بنسلفانيا وويسكونسن ونبراسكا وآيوا، تتزايد المخاوف من أن ديسمبر قد يشهد بداية تباطؤ أوسع عبر قطاعات متعددة.

 

رد فعل الأسواق: تراجع في الأسهم، تقلبات في الدولار، وصعود قوي للذهب

 

شهدت الأسواق المالية تحركات حادة عقب الارتفاع غير المتوقع في طلبات إعانة البطالة الأمريكية. حيث سارع المتداولون إلى تعديل مراكزهم وإعادة تقييم زخم الاقتصاد وتوقعاتهم لمسار سياسة الاحتياطي الفيدرالي في المدى القريب. وتعرض الدولار الأمريكي لتقلبات ملحوظة فور صدور البيانات؛ إذ تراجع في البداية مع تفسير المتداولين لارتفاع الطلبات الأولى إلى 236 ألفاً كدليل واضح على تباطؤ سوق العمل. قبل أن يعاود الاستقرار لاحقاً مع تزايد ميل المستثمرين لتجنب المخاطر. ويعد هذا السلوك نموذجياً في فترات عدم اليقين عندما يتجه المستثمرون إلى السيولة بالدولار بغض النظر عن توقعات السياسة النقدية.

افتتحت الأسهم الأمريكية على انخفاض، متأثرة بتجدد المخاوف حول قدرة الاقتصاد على الحفاظ على زخمه وسط إشارات متباينة من سوق العمل. وقد أثّر الارتفاع الحاد في الطلبات. وهو من أكبر الزيادات هذا العام، على الأسهم الدورية في قطاعات مثل الصناعة والتكنولوجيا والسلع الاستهلاكية المعمرة. وهي القطاعات الأكثر حساسية لتغيرات التوظيف. في المقابل، تراجعت عوائد سندات الخزانة مع توجه المتداولين نحو الأصول الآمنة. مما عزز توقعات أن ضعف سوق العمل قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي نحو مزيد من التيسير في أوائل 2026.

أما الذهب فقد سجّل حركة قوية جداً عقب صدور البيانات، حيث أظهر الرسم البياني اندفاعاً صعودياً حاداً بمجرد الإعلان عن القفزة في طلبات الإعانة. وتُظهر شموع الـ H1 قوة الزخم الصعودي الذي دفع الذهب نحو منطقة 4,250 – 4,260 دولاراً، مع دخول المشترين بقوة بالتزامن مع تراجع شهية المخاطرة. وتعكس هذه الحركة السلوك التقليدي للملاذات الآمنة: فعندما تشير بيانات العمل إلى تباطؤ اقتصادي، يتجه المتداولون إلى الأصول التي توفر حماية من مخاطر التراجع.

بشكل عام، تسببت بيانات طلبات إعانة البطالة اليوم في زيادة ملموسة في تقلبات الأسواق عبر مختلف فئات الأصول. فالتباين الواضح بين ارتفاع عمليات التسريح وانخفاض عوائد السندات خلق بيئة دفع فيها الذهب صعوداً بقوة، وتراجعت الأسهم. بينما واجه الدولار صعوبة في تحديد اتجاه واضح، ما يمهد لجلسات تداول تتسم بحساسية عالية في الأيام المقبلة.

 

ما الذي يترقبه المتداولون الآن؟ التأثيرات المحتملة على الفيدرالي والأسواق

 

مع التطلع إلى الأيام المقبلة، يتعيّن على المتداولين والمستثمرين مراقبة كيفية تفاعل القفزة في طلبات إعانة البطالة مع بقية المؤشرات الاقتصادية وتوقعات الاحتياطي الفيدرالي. فالارتفاع إلى 236 ألف طلب جديد لا يُعد مجرد رقم عابر بل قد يشير إلى بداية مرحلة أوسع من تباطؤ سوق العمل. وإذا استمر هذا الزخم السلبي، فمن المحتمل أن يسرّع الجدول الزمني لتعديل أسعار الفائدة. خاصة أن الفيدرالي أكد مؤخراً اعتماده الكبير على البيانات في صياغة قراراته. وقد بدأت الأسواق بالفعل تُسعّر احتمالات أعلى لخفض الفائدة في أوائل 2026، ويُتوقع أن يعزز أي ضعف إضافي في سوق العمل هذه التوقعات.

ومن الضروري أيضاً مراقبة حركة طلبات الإعانة المستمرة. فعلى الرغم من انخفاضها الكبير إلى 1,838,000، إلا أن القفزة الضخمة في الإعانات غير المعدّلة موسمياً، بزيادة 268,460 عن الأسبوع السابق، تكشف ضغوطاً كامنة قد تظهر بوضوح أكبر في البيانات القادمة. ويراقب المتداولون ما إذا كانت الطلبات المستمرة ستبدأ بالارتفاع بشكل منتظم. وهو نمط غالباً ما يرتبط بتباطؤ اقتصادي أوسع، وتراجع ثقة المستهلك، وتردد الشركات في التوظيف.

كما تستحق ديناميكيات القطاعات اهتماماً خاصاً، إذ شهدت ولايات مثل بنسلفانيا وويسكونسن ونيبراسكا أكبر الزيادات الأسبوعية. ما يشير إلى احتمال وجود اضطرابات إقليمية أو صناعية محددة. وإذا بدأت خسائر الوظائف تتجمع في قطاعات التصنيع أو البيع بالتجزئة أو النقل، وهي قطاعات حساسة تاريخياً للدورات الاقتصادية. فقد تشهد أسواق الأسهم إعادة تسعير واسعة النطاق.

وبالنسبة للمتداولين، قد تخلق هذه التقلبات فرصاً لكنها تتطلب انضباطاً عالياً. ففي سوق العملات، من المتوقع استمرار تذبذب مؤشر الدولار مع إعادة تسعير احتمالات خفض الفائدة. ومن المرجح أيضاً بقاء الذهب والأزواج الدفاعية مثل الدولار/ين والفرنك السويسري في نطاقات عالية التقلب.

في المجمل، أدخل تقرير البطالة الصادر اليوم متغيراً مهماً على تداولات نهاية العام: عدم اليقين. ومع استمرار ضعف سوق العمل، ستصبح الأسواق أكثر حساسية للبيانات الاقتصادية. مما يجعل الإصدارات القادمة، مثل التضخم، ومبيعات التجزئة، وبيانات البطالة للأسبوع المقبل، محورية في تشكيل الاتجاهات قصيرة المدى.