في تصريحاتها اليوم الخميس، ألمحت إيزابيل شنابل، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إلى التحديات المتعلقة بإعادة تحقيق هدف التضخم المستهدف في منطقة اليورو، حيث يظل التضخم يتراجع بوتيرة أسرع من المتوقع، مما يفرض ضغوطًا على البنك المركزي لتحقيق استقرار الأسعار. وفي ظل هذا السياق، تبرز تحديات أخرى تتمثل في تراجع الإنتاجية وزيادة تكاليف الخدمات، التي تشكل مخاطر كبيرة أمام الاقتصاد الأوروبي.
في مؤتمرها، أشارت شنابل إلى وجود توافق متزايد على وجود تحديات متزايدة قد تواجه المنطقة في المستقبل القريب، مع التركيز بشكل خاص على تأثير ارتفاع تكاليف الخدمات. ومع استمرار تضخم الخدمات عند مستويات عالية، يعزى ذلك جزئيًا إلى نمو الدخل واستدامة مدخرات الأسر، مما أدى إلى حماية الدخل المتاح في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وبالرغم من الجهود المبذولة، إلا أن البنك المركزي يعبر عن قلقه إزاء تقلبات نمو الأسعار في الفترة القادمة، بما في ذلك احتمالية حدوث زيادات كبيرة ومؤقتة في الأسعار. وفي هذا السياق، تركز الانتباه على تضخم الخدمات، الذي بقي مرتفعًا عند مستويات تقدر بحوالي 4%، مما يرجع جزئيًا إلى تحقيق الأسر لزيادات في الدخل القومي وزيادة مدخراتها، ما ساهم في تخفيف تأثير التضخم السريع على الدخل المتاح.
وفي سياق السياسة النقدية، يركز البنك المركزي بشكل خاص على تطورات أسعار الأجور، حيث يتوقع الخفض في سعر الفائدة في يونيو بعدما تظهر بيانات الربع الأول تحسنًا معتدلًا في تكاليف العمالة. وبالنظر إلى المستقبل، يبقى البنك مفتوحًا على خياراته السياسية، في ظل توقعات بتحسن طفيف في السياسة النقدية، ويتابع الأسواق بحذر تطورات هذه السياسة. وفي الوقت نفسه، تظل منطقة اليورو تواجه تحدياتها، خاصة فيما يتعلق بتحسن الإنتاجية، حيث يشهد الاقتصاد نموًا سلبيًا في هذا الجانب على مدار الأرباع الأخيرة.
بالنظر إلى الآفاق المستقبلية، يظل نمو الإنتاجية مصدر قلق، حيث تشهد المنطقة تباطؤًا مستمرًا في هذا الجانب على مدى الأرباع الأخيرة. يظل البنك المركزي ملتزمًا بمتابعة التطورات وتعزيز السياسات المناسبة للتصدي للتحديات الاقتصادية المستقبلية في منطقة اليورو.
تأثير التضخم على خفض أسعار الفائدة: البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
هل سيسبق البنك المركزي الأوروبي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة؟ هذا هو السؤال الذي يتردد بين المتداولين في أسواق العالم، خاصة بعد البيانات الأخيرة حول معدلات التضخم في منطقة اليورو والولايات المتحدة. أظهرت بيانات “يورو ستات” تباطؤاً في التضخم الأوروبي الأساسي إلى 2.9٪ خلال مارس الماضي، وهو ما يتماشى مع توقعات الأسواق بالمقارنة مع 3.1٪ في فبراير.
فإن بيانات التضخم في الولايات المتحدة في مارس كانت صادمة للفيدرالي، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي للشهر الثاني على التوالي إلى 3.5٪ من 3.2٪ في فبراير، وهو ما يفوق توقعات السوق. وفيما يتعلق بمؤشر التضخم الأساسي، فقد استقر عند 3.8٪ في مارس، بالمقارنة مع توقعات بانخفاضه إلى 3.7٪.
هذه البيانات زادت من الشكوك بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في يونيو المقبل، حيث أن جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أبدى شكوكاً في أن التضخم المرتفع قد يؤخر أي خفض في أسعار الفائدة حتى وقت لاحق من هذا العام، مشيراً إلى ضرورة استمرار التحليل والمراقبة قبل اتخاذ أي قرارات.
بل ذهب جيروم باول أبعد من ذلك عندما أضاف: “إن أحدث تقارير التضخم تشير إلى أنه من المرجح أن يستغرق الأمر وقتاً أطول من المتوقع لتحقيق تلك الثقة، في الوقت الحالي، نظراً لقوة سوق العمل والتقدم بالنسبة للتضخم حتى الآن، ومن المناسب السماح للسياسة التقييدية بمزيد من الوقت للعمل، والسماح للبيانات والتوقعات المتغيرة بإرشادنا”.
تراجعت معدلات الإنتاجية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، ويثبت بعض الخبراء أن هذا الانخفاض يعود جزئياً إلى استراتيجية الشركات في فترات الركود حيث كانت تحتفظ بالقوى العاملة، ومن المتوقع أن يؤدي الارتفاع المتوقع في معدلات النمو إلى تحسين معدلات الإنتاجية. ومع ذلك، يثير تدهور الإنتاجية عادةً مخاوف من التضخم، مما يعني أن بعض الأفراد يشعرون بالقلق من عدم قدرة هوامش الشركات على استيعاب زيادات الأجور، ويتوقع البعض استمرار ارتفاع الأسعار.
تأثير سياسات الفائدة: توقعات خفضها في الاجتماع القادم وتغيرات الأسواق المالية
بعد أن أشار البنك المركزي الأوروبي بوضوح إلى إمكانية بدء خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع يونيو المقبل، تجددت النقاشات حول سياسات الفائدة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. في مارس الماضي، استمر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الحفاظ على أسعار الفائدة دون تغيير، مما أدى إلى استمرارها عند مستويات تتراوح بين 5.25 و 5.5 في المئة، فيما أوقف البنك المركزي الأوروبي أيضًا رفع أسعار الفائدة في أبريل، مبقية الأسعار عند 4 في المئة، وذلك بعد سلسلة من الزيادات منذ ديسمبر 2021.
مع تصاعد التوترات والتغيرات في الأسواق المالية العالمية، بدأت الأسواق تستوعب توقعات بقاء أسعار الفائدة في الولايات المتحدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، نتيجة لتطورات غير متوقعة في التضخم وفرص العمل. ولاستجابة الجهات المعنية أهمية في الاقتصاد والأسواق لهذه التغيرات، و سيكون له تأثيرات عميقة على سلوك المستثمرين وثقتهم.
من جانبها، أعلنت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، عن استقلال أوروبا عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بسياسات الفائدة، مما أثار تفاؤل الأسواق. وأكدت لاغارد أنه من المتوقع تخفيض أسعار الفائدة في الاجتماع القادم، ورغم أن البنك المركزي الأميركي قد يتبع مسارًا مختلفًا، فإن تصريحات لاغارد أثارت ارتياحًا في الأسواق.
وركز الرئيس التنفيذي على أهمية التغيرات الجديدة في لغة البنك المركزي الأوروبي، التي تشير إلى إمكانية تقليص التشديد في السياسة النقدية، مما يعكس التفاؤل المتزايد بالاقتصاد الأوروبي.
وأوضح أن هذا الأمر لا يزال مشروطاً وليس “التزاما مسبقاً” كما كررت لاغارد عدة مرات، ولكنها تحاول ان تُخبر السوق أنه سيكون هناك تخفيض في أسعار الفائدة في الاجتماع التالي، ما لم تُظهر البيانات من الآن وحتى اجتماع البنك المركزي الأوروبي في يونيو أن التضخم لا يزال راسخاً في منطقة اليورو.
النمو الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة: تأثير خفض أسعار الفائدة والتضخم
يعاني النمو الاقتصادي في أوروبا منذ فترة تزيد عن 15 شهرًا، حيث سجلت قراءات ربع سنوية ثلاثة صفر وواحدة سلبية وأخرى بنسبة 0.1٪، مما يشير إلى تباطؤ وتوازن متساوٍ في النمو الاقتصادي بالمنطقة. هذا الوضع يعزز التوقعات بأن التأثير الإيجابي على التضخم قد يكون ضعيفًا. ومن المحتمل أن يتحفز صانعو السياسة النقدية في أوروبا على خفض أسعار الفائدة بهدف تحفيز النمو الاقتصادي.
من جهة أخرى، يظل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة قويًا بشكل لافت، حيث سُجِّلت ست قراءات ربع سنوية ممتازة، مما يعكس التفوق الاقتصادي الأمريكي. ورغم أن هذا النمو القوي يُعَدُّ إيجابيًا، إلا أنه يثير مخاوف من إعادة تصاعد التضخم. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى تأخير الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة لمراقبة الوضع الاقتصادي والتضخم.
بالنظر إلى تصريحات رؤساء البنوك المركزية، فقد أشارت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة في الصيف القادم، بينما أكد جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على أهمية استمرار متابعة البيانات الاقتصادية المستقبلية. يظهر هذا التفاعل النقدي الإيجابي أن التوجه نحو سياسات الفائدة قد يختلف بين البلدين.
يرجع سبب التوجه نحو خفض سعر الفائدة في منطقة اليورو إلى ضعف النمو الاقتصادي مقارنة بالولايات المتحدة، حيث تشير بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إلى تباطؤ في أوروبا بينما يظل الاقتصاد الأمريكي قويًا. ومن المتوقع أن يتسارع خفض الفائدة في أوروبا بسبب تراجع التضخم أسرع من المتوقع، مما يعزز الآمال في تحقيق هدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم بنسبة 2٪.
إن انخفاض التضخم بشكل أسرع من المتوقع في أوروبا وتتجاوز التضخم في أميركا التوقعات يجعل الأسواق تعتقد بأن بنك أوروبا قد يقود طليعة البنوك المركزية الكبرى لتخفيض الفائدة، حيث وصول التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى 2.4 بالمئة وهو الانخفاض الشهري الرابع على التوالي ما يبث الآمال بأن الوصول إلى مستهدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم (2 بالمئة) بات في المتناول.